Arabic    

بمناسبة ذكرى ميلاد بروست - بعد مرور ١٥٢ سنة


2023-07-10
View In Facebook
Category : Occasions

 
 
بمناسبة ذكرى ميلاد بروست
(بعد مرور ١٥٢ سنة)
خصّصنا هذا اليوم لزيارة رجلٌ سيتردد صدى عمله لقرون، فلقد قصدنا شارع لافونتين رقم 96، وهو المكان الذي شهد ولادة الروائي مارسيل بروست في 10 يوليو 1871، يقع المبنى في الدائرة 16 غير بعيد من مقر إقامتنا في سان جيمس، ولطالما ذكرها بروست وأشاد بأيامه فيها، وهي -بلا ريب- الرّحم الذي نضّج الحسّ الاستعادي في بناء عمله الكبير "البحث عن الزمن الضائع".
ما أن بلغنا المكان حتى شعرنا بخيبة الأمل إذ ألفينا عوض بيت رجل الزمن الضائع مبنى من عدة طوابق، وقد شرعنا نستدلّ عليه جيئة وذهابا علّنا نكون بالغنا في التقدم فتجاوزنا الشارع أو بالغنا في التقهقر فلم نصله بعد، وفي هذه الأثناء خرجت امرأة خمسينية فبادرناها السؤال عن دارة بروست، فقالت وقد وجدت أمامها من يسأل عن رجل مرّ قرن كامل على وفاته: إنها لم تعد موجودة!.
نظرنا إلى بعضنا برهة، محاولين تكذيب الأمر برمته، فهذه البلدان لا تترك شاردة ولا واردة تتعلق بمبدعيها إلا واحتفظت بها واستثمرتها لاحقا في صور وأشكال كثيرة، فما الذي حدث ليطلقوا نار النسيان على بروست وزمنه فيضيعان معا؟
كان المنزل مملوكا في الأصل لعمه، ولجأ إليه والداه خلال انتفاضة باريس الشعبية التي أعقبت هزيمة الجيش الفرنسي أمام القوات البروسية وحصارها المذل لباريس قبل تجويعها ومن ثم دخولها، ففي شهر يوليو من سنة  1870، أعلن نابليون الثالث حرباً على مملكة بروسيا لم يكن قد استعد لها جيدا سرعان ما انهزم فيها. وكان من نتائجها سقوط الإمبراطورية الثانية التي أسسها في يوم 4 سبتمبر 1870 نتيجة انتفاضة باريسية دامت طيلة اليوم. 
وبعد ثلاثة أشهر من توقيع هدنة مؤقتة مع الألمان بزغت كومونة باريس أو ما يطلق عليها بالثورة الفرنسية الرابعة، وهي حكومة بلدية ثورية أدارت باريس لفترة قصيرة ابتداءً من منتصف مارس 1871م، فانتخب تسعون ممثلا في الكومونة أو مجلس مدينة باريس باقتراع شعبي عام وأعلنت حكمها على كامل فرنسا قبل أن تتعرض لقمع وحشي من قبل القوات الفرنسية النظامية قبل نهاية شهر مايو من العام نفسه فيما سمي بعد ذلك بالأسبوع الدامي.
صاحبت النقاشات حول سياسات ومآلات الكومونة تداعيات سياسية مهمة داخل وخارج فرنسا خلال القرن العشرين حيث اعتبرت أول ثورة اشتراكية في العصر الحديث.
ومن أهم المشاركين والفاعلين فيها الشاعر الفرنسي "آرثور رامبو" والذي ظهر في صورة التقطها المصور برونو براكيهيس وهو بملابس الثوار يحمل سلاحا ناريا ويقف على أنقاض تمثال محطم لنابليون، ولقد عمد بعد سقوط الكومونة إلى التخفي طويلا عن عيون الشرطة السرية وملاحقاتهم حتى اضطر في نهاية المطاف إلى مغادرة فرنسا باتجاه لندن وهناك التقى بلا شك بكارل ماركس الذي كان ملتحما بحلقات الكومونيين الوافدين من باريس، ومعروف أن ألبير كامو أطلق على رامبو تسمية "شاعر الثورة" قبل خروج هذه الصورة مؤخراً للعلن.
وفي عام "الكومونة" كانت ولادة "بروست" الذي منح فرنسا واللغة الفرنسية كومونة من نوع مختلف داخل غرفة مبطنة بالفلين المضغوط كان يستخدمها ليفلت من ضجيج المدينة وصخب الناس.
بعد خيبة العثور على بيت ولادته، قصدنا شقة في المبنى رقم 102 الكائن في شارع (هوسمان) حيث أمضى فيه نحو 12 عاما بعد وفاة والديه، والشقة في الأصل مملوكة لخاله وقرّر المكث فيها لأنها المكان الذي كانت تؤثره أمه واحتفظت به من أجله كما كتب في إحدى رسائله، وقال في هذا الصدد: 
"لقد جذبني إليه خاطر حزين".
ويقع المنزل في الدائرة الثامنة، وفيه كتب معظم روايته "البحث عن الزمن الضائع". ولقد بيعت هذه الشقة للمصرفي "رينيه فارن غيرنيه"، ولا زال البنك يحتل المبنى حتى يومنا هذا، وعلى جداره تنتصب لوحة لتخليد بروست.
قصدنا بعد ذلك متحف الكارنفاليه، وهو متحف يجهله الكثيرون من رواد باريس وقاصدي أمكنتها السياحية، فهو مخصص لتاريخ المدينة، وكان في الأصل أحد القصور المنيفة قبل أن يجري تحويله إلى متحف يسرد ذاكرة باريس من مدينة طين إلى حاضرة العالم، وغالبا ما يُهملُ لصالح متحفي باريس الأشهر، اللوفر والأورسيه.
يعرض متحف الكارنفاليه أعمالا ومحفورات وخرائط تتعقب الثورة الفرنسية والأحداث التاريخية الهامة وقطعاً أثرية تخصّ الشخصيات العامة، فمثلا تجد من معروضاته نعالا لماري أنطوانيت وحافظة أدوات الزينة المفضلة لنابليون ونماذج أولية للمقصلة، ولم تكن متوفرة يوم زيارتنا، وحقيبة روسبير التي كان يحمل فيها قرارات مجلس الثورة، وكان حملها يبعث الخوف ويثير الفزع في النفوس.
ولقد نجا الماركيز دي ساد بأعجوبة من إحدى هذه القرارات وبذلك تجنّب قبلة المقصلة، وهو مصطلح كان يطلق على لحظة سقوط الشيفرة الثقيلة والحادة وحزّ العنق، وعوضا عن القبلة القاتلة مكث الماركيز خمس سنوات في الباستيل من أصل 32 سنة قضاها معتقلا في سجون شتى، وبالطبع استحوذ الباستيل على حصته من جسد الماركيز المتهالك وفيه كتب 120 يوما من سدوم، وتم التخلص من أكثر أعماله شيوعا (جوستين) ولم يبق منه إلا النزر اليسير، كما وجدنا نموذجا للسجن الملكي المقيت (كما كان يطلق على الباستيل) منحوتا على إحدى الكتل الحجرية.
كما توجد فيه غرفة تحاكي غرفة مارسيل بروست في شقة خاله التي استحوذ عليها البنك، وهي غرفة مبطنة بالفلين للتخفيف من حساسية رئتيه فلقد كان بروست مصابا بالربو والحساسية المفرطة، كما أراد من تبطينها عزل نفسه عن العالم الخارجي، واشتملت الغرفة على سريره وطاولته ومعدات الكتابة التي استعملها في بحثه عن الزمن الضائع.
بدا لنا المكان شبيها بالشرنقة وأتاح لنا فرصة أن نتعرف على عقلية واحد من أعظم الكتاب الفرنسيين، فضلاً عن التعرف على أواخر أيامه؛ ففي هذه الشقة توفي بروست في 18 نوفمبر عام م1922، وكان له من العمر آنذاك 51 سنة.
 بينما كنا نخرج فكرنا ببروست وغرفته وحياته القلقة القصيرة، قبل أن نقصد الكنيسة التي أقيمت فيها جنّازته، ومن ثم زرنا قبره في مقبرة دان لاشيه في الدائرة العشرين وفي ذات المقبرة دفن أيضا أوسكار وايلد وبلزاك وبيزيه وشامبليون وبول ايلوار وشوبان ولافونتين وأسماء لا تُحصى من أولئك الذين حفروا أخاديد عميقة في جسد التاريخ.

    بمناسبة ذكرى ميلاد بروست (بعد مرور ١٥٢ سنة) خصّصنا هذا اليوم لزيارة رجلٌ سيتردد صدى عمله لقرون، فلقد قصدنا شارع لافونتين رقم 96، وهو المكان الذي شهد ولادة الروائي مارسيل بروست في 10 يوليو 1871، يقع المبنى في الدائرة 16 غير بعيد من مقر إقامتنا في سان جيمس، ولطالما ذكرها بروست وأشاد بأيامه فيها، وهي -بلا ريب- الرّحم الذي نضّج الحسّ الاستعادي في بناء عمله الكبير "البحث عن الزمن الضائع". ما أن بلغنا المكان حتى شعرنا بخيبة الأمل إذ ألفينا عوض بيت رجل الزمن الضائع مبنى من عدة طوابق، وقد شرعنا نستدلّ عليه جيئة وذهابا علّنا نكون بالغنا في التقدم فتجاوزنا الشارع أو بالغنا في التقهقر فلم نصله بعد، وفي هذه الأثناء خرجت امرأة خمسينية فبادرناها السؤال عن دارة بروست، فقالت وقد وجدت أمامها من يسأل عن رجل مرّ قرن كامل على وفاته: إنها لم تعد موجودة!. نظرنا إلى بعضنا برهة، محاولين تكذيب الأمر برمته، فهذه البلدان لا تترك شاردة ولا واردة تتعلق بمبدعيها إلا واحتفظت بها واستثمرتها لاحقا في صور وأشكال كثيرة، فما الذي حدث ليطلقوا نار النسيان على بروست وزمنه فيضيعان معا؟ كان المنزل مملوكا في الأصل لعمه، ولجأ إليه والداه خلال انتفاضة باريس الشعبية التي أعقبت هزيمة الجيش الفرنسي أمام القوات البروسية وحصارها المذل لباريس قبل تجويعها ومن ثم دخولها، ففي شهر يوليو من سنة  1870، أعلن نابليون الثالث حرباً على مملكة بروسيا لم يكن قد استعد لها جيدا سرعان ما انهزم فيها. وكان من نتائجها سقوط الإمبراطورية الثانية التي أسسها في يوم 4 سبتمبر 1870 نتيجة انتفاضة باريسية دامت طيلة اليوم.  وبعد ثلاثة أشهر من توقيع هدنة مؤقتة مع الألمان بزغت كومونة باريس أو ما يطلق عليها بالثورة الفرنسية الرابعة، وهي حكومة بلدية ثورية أدارت باريس لفترة قصيرة ابتداءً من منتصف مارس 1871م، فانتخب تسعون ممثلا في الكومونة أو مجلس مدينة باريس باقتراع شعبي عام وأعلنت حكمها على كامل فرنسا قبل أن تتعرض لقمع وحشي من قبل القوات الفرنسية النظامية قبل نهاية شهر مايو من العام نفسه فيما سمي بعد ذلك بالأسبوع الدامي. صاحبت النقاشات حول سياسات ومآلات الكومونة تداعيات سياسية مهمة داخل وخارج فرنسا خلال القرن العشرين حيث اعتبرت أول ثورة اشتراكية في العصر الحديث. ومن أهم المشاركين والفاعلين فيها الشاعر الفرنسي "آرثور رامبو" والذي ظهر في صورة التقطها المصور برونو براكيهيس وهو بملابس الثوار يحمل سلاحا ناريا ويقف على أنقاض تمثال محطم لنابليون، ولقد عمد بعد سقوط الكومونة إلى التخفي طويلا عن عيون الشرطة السرية وملاحقاتهم حتى اضطر في نهاية المطاف إلى مغادرة فرنسا باتجاه لندن وهناك التقى بلا شك بكارل ماركس الذي كان ملتحما بحلقات الكومونيين الوافدين من باريس، ومعروف أن ألبير كامو أطلق على رامبو تسمية "شاعر الثورة" قبل خروج هذه الصورة مؤخراً للعلن. وفي عام "الكومونة" كانت ولادة "بروست" الذي منح فرنسا واللغة الفرنسية كومونة من نوع مختلف داخل غرفة مبطنة بالفلين المضغوط كان يستخدمها ليفلت من ضجيج المدينة وصخب الناس. بعد خيبة العثور على بيت ولادته، قصدنا شقة في المبنى رقم 102 الكائن في شارع (هوسمان) حيث أمضى فيه نحو 12 عاما بعد وفاة والديه، والشقة في الأصل مملوكة لخاله وقرّر المكث فيها لأنها المكان الذي كانت تؤثره أمه واحتفظت به من أجله كما كتب في إحدى رسائله، وقال في هذا الصدد:  "لقد جذبني إليه خاطر حزين". ويقع المنزل في الدائرة الثامنة، وفيه كتب معظم روايته "البحث عن الزمن الضائع". ولقد بيعت هذه الشقة للمصرفي "رينيه فارن غيرنيه"، ولا زال البنك يحتل المبنى حتى يومنا هذا، وعلى جداره تنتصب لوحة لتخليد بروست. قصدنا بعد ذلك متحف الكارنفاليه، وهو متحف يجهله الكثيرون من رواد باريس وقاصدي أمكنتها السياحية، فهو مخصص لتاريخ المدينة، وكان في الأصل أحد القصور المنيفة قبل أن يجري تحويله إلى متحف يسرد ذاكرة باريس من مدينة طين إلى حاضرة العالم، وغالبا ما يُهملُ لصالح متحفي باريس الأشهر، اللوفر والأورسيه. يعرض متحف الكارنفاليه أعمالا ومحفورات وخرائط تتعقب الثورة الفرنسية والأحداث التاريخية الهامة وقطعاً أثرية تخصّ الشخصيات العامة، فمثلا تجد من معروضاته نعالا لماري أنطوانيت وحافظة أدوات الزينة المفضلة لنابليون ونماذج أولية للمقصلة، ولم تكن متوفرة يوم زيارتنا، وحقيبة روسبير التي كان يحمل فيها قرارات مجلس الثورة، وكان حملها يبعث الخوف ويثير الفزع في النفوس. ولقد نجا الماركيز دي ساد بأعجوبة من إحدى هذه القرارات وبذلك تجنّب قبلة المقصلة، وهو مصطلح كان يطلق على لحظة سقوط الشيفرة الثقيلة والحادة وحزّ العنق، وعوضا عن القبلة القاتلة مكث الماركيز خمس سنوات في الباستيل من أصل 32 سنة قضاها معتقلا في سجون شتى، وبالطبع استحوذ الباستيل على حصته من جسد الماركيز المتهالك وفيه كتب 120 يوما من سدوم، وتم التخلص من أكثر أعماله شيوعا (جوستين) ولم يبق منه إلا النزر اليسير، كما وجدنا نموذجا للسجن الملكي المقيت (كما كان يطلق على الباستيل) منحوتا على إحدى الكتل الحجرية. كما توجد فيه غرفة تحاكي غرفة مارسيل بروست في شقة خاله التي استحوذ عليها البنك، وهي غرفة مبطنة بالفلين للتخفيف من حساسية رئتيه فلقد كان بروست مصابا بالربو والحساسية المفرطة، كما أراد من تبطينها عزل نفسه عن العالم الخارجي، واشتملت الغرفة على سريره وطاولته ومعدات الكتابة التي استعملها في بحثه عن الزمن الضائع. بدا لنا المكان شبيها بالشرنقة وأتاح لنا فرصة أن نتعرف على عقلية واحد من أعظم الكتاب الفرنسيين، فضلاً عن التعرف على أواخر أيامه؛ ففي هذه الشقة توفي بروست في 18 نوفمبر عام م1922، وكان له من العمر آنذاك 51 سنة.  بينما كنا نخرج فكرنا ببروست وغرفته وحياته القلقة القصيرة، قبل أن نقصد الكنيسة التي أقيمت فيها جنّازته، ومن ثم زرنا قبره في مقبرة دان لاشيه في الدائرة العشرين وفي ذات المقبرة دفن أيضا أوسكار وايلد وبلزاك وبيزيه وشامبليون وبول ايلوار وشوبان ولافونتين وأسماء لا تُحصى من أولئك الذين حفروا أخاديد عميقة في جسد التاريخ. , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

ذكرى لكافافي (1933-1863)
في مناسبة ذكرى تولي حاكم أبو ظبي الحكم
تنعى القرية الإلكترونية في أبوظبي، والعاملون بها: المغفور له بإذن الله سمو الشيخ سعيد بن زايد آل نهيان
عام هجري سعيد
في ذكرى ميلاد مارسيل بروست.. برأيكم ما هو أهم ما يميز أسلوبه الأدبي ؟
بمناسبة ذكرى ميلاد بروست - بعد مرور ١٥٢ سنة
عيد مبارك - بشركم الله بالقبول، ووهبكم بهجة لاتزول


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions