Arabic    

أدبيات الحج كما شكّلها محمد أحمد السويدي نصوصاً وصوراً


2022-06-23
اعرض في فيس بوك
التصنيف : قالوا عنا

 
 
أدبيات الحج كما شكّلها محمد أحمد السويدي نصوصاً وصوراً
مقال | بقلم الصحفي الأستاذ عبده وازن، جريدة الحياة.
يزداد الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي شغفاً بما يسمى «أدب الرحلات»، وبعد سعيه الدؤوب الى إحياء هذا الادب الذي كاد يمسي اسير الذاكرة العربية، وعقب مغامرته التي خاضها في تأسيس سلسلة «ارتياد الآفاق» متعاوناً مع الشاعر السوري نوري الجراح، يواصل العمل في هذا الميدان، منقّباً في متون الكتب والمصادر، قارئاً ومراجعاً ومنتقياً عيون هذا الادب بغية معاودة نشره وإيقاظه من رقاد الأدراج
ولعل نصوص الرحلات التي خرجت الى النور وصدرت في السلسلة تشهد على فرادة هذا المشروع وبعده الثقافي ومرماه الحضاري. وقد تمكن هذا المشروع من جذب شريحة من القراء راحت تتسع شيئاً فشيئاً، واستطاع كذلك ان يؤسس مكتبة هي مكتبة «ادب الرحلات» لها حيزها الخاص في عالم الكتب العربية. وقد يسأل سائل: كيف لشاعر يكتب بالفصحى والعامية أن ينصرف الى هذا النوع من الادب، الذي ليس هو بالادب الصرف لكونه مبنياً على مفهوم الرحلة وما تفترض من شروط ومعايير اسلوبية ولغوية؟ ولعل الجواب هو أن السويدي اختبر بنفسه هذا النوع من الكتابة وله فيه نصوص غير قليلة، ولم يحل هذا الادب دون انكبابه على الشعر الذي يمثل جوهر الكتابة.
أما احدث اعمال السويدي في هذا المضمار فهو كتاب «لبيك اللهم لبيك» وهو عبارة عن مختارات من أدبيات الحج ومن الصور القديمة والجديدة التي التقطها مصورون عرب وأجانب خلال رحلتهم الى الحج. وشاء الشاعر كتابه الصادر عن دار السويدي والذي اهداه الى والده بثلاثة ابيات من الشعر، أشبه بمفكرة موزعة، كما يشير العنوان، على ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً.
وفي هذه المختارات يغوص السويدي في متون أدب الحج أو أدب الرحلة الى الحج، الذي كتبه ادباء وشعراء ومؤرخون وفلاسفة ومتصوفون ورحّالة، عرب وأجانب، من المشرق والمغرب والخليج وأفريقيا العربية وفارس وأوروبا، منذ القرون الاولى الى الوسيطة فإلى القرن العشرين. وقد اعتمد السويدي في اختيار هذه النصوص من أمهات الكتب وهي كثيرة، ثقافته ومراسه في هذا الحقل، علاوة على ذائقته بصفته كاتباً وشاعراً وقارئاً «تأويلياً» وفق مقولة أمبرتو إيكو.
وقد يكون فعل الاختيار هنا ضرباً من الإبداع، فالشاعر إذ ينتقي النصوص إنما يقرأها بحواسه وعقله وقلبه، متأملاً ظاهرها، مصغياً الى باطنها، ومتقمصاً دور الكاتب والقارئ في آن واحد. ولئن اغفل السويدي منهجيته في الاختيار والوقت الذي بذله فيه في المقدمة التي وضعها للكتاب، فحصيلة عمله تكشف بنفسها طبيعة ما بذل من جهد ودأب وأناة في البحث والقراءة والانتقاء والابتسار أو «التقطيع». إنها النصوص نفسها المختارة تلمح الى فرادة هذا العمل، وهي تُقرأ بمتعة وفضول وبهجة، وتعبر عن عمق التجارب التي خاضها الكتّاب والرحّالة الذين يمّموا شطر مكة وجوارها بغية أداء الحج والكتابة عنه، كتابة وصفية او مشهدية وروحية وسردية وتأريخية وسوسيو-ثقافية. إنها نصوص تجمع وفق كتّابها، بين الدين والتاريخ والجغرافيا والمدنية والعمران، بين الادب والشعر والمناجاة والسرد الحدثي والتأمل...
وقد يشعر من يقرأ النصوص انه هو من يقوم برحلة بل برحلات الى مكة، ويبصر بأعين الكتاب على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وشواغلهم، ويصغي بآذانهم ويعيش مشاعرهم وانطباعاتهم التي أتوا بها.
في الاستهلال الذي كتبه للمختارات يصف السويدي الرحلة الى الحج قائلاً: «لم يكن أداء فريضة الحج على مدى الأجيال رحلة عادية، إنما هي تجربة إنسانية فريدة واستطلاع فكري ممتع للطرق والامكنة، وغبطة روحية لا تضاهيها غبطة اخرى. وكم يطيب أن اقدم لكم في هذا الكتاب صوراً شتى من مشاهد الحج وعظاته وطرائفه. وسنصحب الكثير من الحجاج ونسمع منهم غرائب شتى». إنها رحلة يقوم بها القارئ متجولاً كما يقول السويدي، «مع حجاج البيت العتيق، مستمتعاً بتفاصيل اللوحة التي رسموها، كل بما أوتي من تبحّر وإلهام».
نصوص الكتاب كثيرة وكذلك اسماء الكتّاب والرحّالة وعناوين كتبهم، وقد استهله المؤلف بنص لإبن جبير الاندلسي من كتابه «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسرار»، ومما يقول: «وكان اسراؤنا والبدر قد ألقى على البسيطة شعاعه، والليل قد كشف عنا قناعه، والاصوات تصك الآذان بالتلبية من كل مكان، والألسنة تضج بالدعاء وتبتهل الى الله بالثناء، فيا لها من ليلة كانت في الحسن بيضة القعر، فهي عروس ليالي العمر وبكر بنيّات الدهر...». ويختار للقزويني نصاً رمزياً من كتاب «آثار البلاد وأخبار العباد»: «حكى ابو عمرو الزجاجي قال: أردت الحج، فدخلت على الجنيد فأعطاني درهماً شددته في مئزري، فلم انزل منزلاً إلا وجدت رزقاً فما احتجت الى إخراج الدرهم. فلما عدت الى بغداد ودخلت عليه مد يده وأخذ الدرهم».
وصف ابن بطوطة
ومن النصوص التي اختارها لابن بطوطة في كتابه الشهير «تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» نص عن نساء مكة: «ونساء مكة فائقات الحسن بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف. وهن يكثرن التطيب حتى انّ إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً. وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي وتغلب على الحرم رائحة طيبهن وتذهب المرأة منهن فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقاً». وفي وصف ابن بطوطة لمكة نقرأ: «قبة بئر زمزم تقابل الحجر الأسود، وداخل القبة مفروش بالرخام الابيض، وتنور البئر المباركة في وسط القبة، مائلاً الى الجدار المقابل للكعبة الشريفة، وهو من الرخام البديع الإلصاق مفروغ بالرصاص. وعمق البئر إحدى عشرة قامة وهم يذكرون ان ماءها يتزايد في كل ليلة جمعة وباب القبة الى جهة الشرق...».
ويختار المؤلف نصاً بديعاً لأبي حامد الغزالي يتحدث فيه عن منام رآه خلال الحج، وهو من امتع ما يمكن ان يُقرأ في هذا القبيل: «حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى احدهما صاحبه: يا عبدالله فقال الآخر: لبيك يا عبدالله، قال: حجّ بيت ربنا ستمئة الف، أفتدري كم قُبل منهم؟ قال: لا ادري. قال: ستة أنفس. قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً واغتممت غماً شديداً وأهمّني أمري فقلت: إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون انا في ستة انفس؟ فلما افضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت افكر في كثرة الخلق وفي قلة من قُبل منهم، فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما، فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال: أتدري ما حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة؟ قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة الشفاعة لمئة الف، قال: فانتبهت وبي من السرور ما يجلّ عن الوصف».
غرائب وأحوال
تحفل المختارات بالكثير من الغرائب والطرائف والاحداث والوقائع والمشاهد والحكايات والاحوال الروحية والتجليات، ناهيك باللوحات الوصفية التي كتبها الرحالة مصوّرين مكة وأهلها والكعبة وطقوس الحج وحركة الحجاج وكل المواقع التي تحيط بمكة مثل ينبع والطائف ومنى وعقبة أكرى والجعرانة وجوة وسواها، إضافة الى الطلول الدوارس. واللافت في هذه المختارات هو طابعها الشمولي، لا سيما من ناحية التعاقب الزمني الذي عرفته حركة الرحالة من قرن الى آخر. وقد انتقى المؤلف نصوصاً حديثة كتبها في القرن العشرين على مر عقوده، أدباء كبار وشعراء عرب ورحالة غربيون ومستشرقون كانت لهم رؤيتهم الفريدة الى عالم الحج.
ومن العرب: محمد حسين هيكل، ابراهيم عبدالقادر المازني، شكيب ارسلان، محمد لطفي جمعة، محيي الدين رضا، خير الدين الزركلي، عبد الغفور شيخ، علي الطنطاوي وسواهم. اما المستشرقون فهم كثر أيضاً ومنهم: تاكيشي سوزوكي وكنيته الحاج محمد صالح، مالكولم إكس، غرفيه كورتلمون، ميشائيلا الطبيبة الالمانية، ليوبولد فايس، جون لويس بيركهارت المكنّى بالشيخ ابراهيم العباس، السير ريتشارد فرنسيس بيرتون وكنيته الحاج عبدالله، جوزف بتس أو الحاج يوسف وسواهم.
متصوفو مكة 1704
يكتب بتس عن متصوفي مكة في العام 1704 قائلا: «وهناك المتصوفون (الدراويش) الذين يعيشون حياة الزهد والتنسك ويسافرون من ادنى البلاد الى اقصاها، وهم يعيشون على صدقات الآخرين، يلبس الواحد منهم قفطاناً أبيض وقبعة طويلة بيضاء وعلى ظهر الواحد منهم جلد ضأن أو ماعز يرقد عليه، وفي يده عصا طويلة بيضاء يحملها». ويكتب علي الطنطاوي عام 1935 نصاً جميلاً يقول فيه: «ليس الخبر كالعيان، وأنا مهما أوتيت من البيان لا أستطيع ان اصف لكم ما يحس به الحاج عندما يقف على باب الحرم ويرى الكعبة للمرة الاولى، فقولوا: آمين. أسأل الله أن يكتب لمن يريد منكم ألا يموت حتى تكتحل عينه برؤية هذا المشهد، مشهد الكعبة». اما هيكل والمازني، فكتبا رحلتيهما كاملتين، معتمدين فن السرد والوصف، مركزين على طرائف وحكايات جميلة.
يصعب التطرق الى كل ما تتضمن هذه المختارات من شهادات ومشاهد وسرديات وتجارب شخصية عاشها الرحالة والحجاج، فهي وفيرة جداً ومتعددة الشُعُب والاساليب والرؤى. ولعل هذا ما يجعل من كتاب السويدي مرجعاً لا بد من العودة اليه لقراءة أدبيات الحج والتعرف الى مسالك الرحلات والطقوس والامكنة التاريخية وطبيعتها وناسها. وعلاوة على غنى مضامين هذه النصوص، فالقارئ يشعر بمتعة كبيرة لحظة قراءتها، هي متعة السفر ولو بالمخيلة الى مكة المكرّمة. اما الصور التي اختارها المؤلف فهي بدورها تشكل مرجعاً بصرياً يقدم مشاهد متعددة لمكة والحج اليها، قديماً وحديثاً.

    أدبيات الحج كما شكّلها محمد أحمد السويدي نصوصاً وصوراً مقال | بقلم الصحفي الأستاذ عبده وازن، جريدة الحياة. يزداد الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي شغفاً بما يسمى «أدب الرحلات»، وبعد سعيه الدؤوب الى إحياء هذا الادب الذي كاد يمسي اسير الذاكرة العربية، وعقب مغامرته التي خاضها في تأسيس سلسلة «ارتياد الآفاق» متعاوناً مع الشاعر السوري نوري الجراح، يواصل العمل في هذا الميدان، منقّباً في متون الكتب والمصادر، قارئاً ومراجعاً ومنتقياً عيون هذا الادب بغية معاودة نشره وإيقاظه من رقاد الأدراج ولعل نصوص الرحلات التي خرجت الى النور وصدرت في السلسلة تشهد على فرادة هذا المشروع وبعده الثقافي ومرماه الحضاري. وقد تمكن هذا المشروع من جذب شريحة من القراء راحت تتسع شيئاً فشيئاً، واستطاع كذلك ان يؤسس مكتبة هي مكتبة «ادب الرحلات» لها حيزها الخاص في عالم الكتب العربية. وقد يسأل سائل: كيف لشاعر يكتب بالفصحى والعامية أن ينصرف الى هذا النوع من الادب، الذي ليس هو بالادب الصرف لكونه مبنياً على مفهوم الرحلة وما تفترض من شروط ومعايير اسلوبية ولغوية؟ ولعل الجواب هو أن السويدي اختبر بنفسه هذا النوع من الكتابة وله فيه نصوص غير قليلة، ولم يحل هذا الادب دون انكبابه على الشعر الذي يمثل جوهر الكتابة. أما احدث اعمال السويدي في هذا المضمار فهو كتاب «لبيك اللهم لبيك» وهو عبارة عن مختارات من أدبيات الحج ومن الصور القديمة والجديدة التي التقطها مصورون عرب وأجانب خلال رحلتهم الى الحج. وشاء الشاعر كتابه الصادر عن دار السويدي والذي اهداه الى والده بثلاثة ابيات من الشعر، أشبه بمفكرة موزعة، كما يشير العنوان، على ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً. وفي هذه المختارات يغوص السويدي في متون أدب الحج أو أدب الرحلة الى الحج، الذي كتبه ادباء وشعراء ومؤرخون وفلاسفة ومتصوفون ورحّالة، عرب وأجانب، من المشرق والمغرب والخليج وأفريقيا العربية وفارس وأوروبا، منذ القرون الاولى الى الوسيطة فإلى القرن العشرين. وقد اعتمد السويدي في اختيار هذه النصوص من أمهات الكتب وهي كثيرة، ثقافته ومراسه في هذا الحقل، علاوة على ذائقته بصفته كاتباً وشاعراً وقارئاً «تأويلياً» وفق مقولة أمبرتو إيكو. وقد يكون فعل الاختيار هنا ضرباً من الإبداع، فالشاعر إذ ينتقي النصوص إنما يقرأها بحواسه وعقله وقلبه، متأملاً ظاهرها، مصغياً الى باطنها، ومتقمصاً دور الكاتب والقارئ في آن واحد. ولئن اغفل السويدي منهجيته في الاختيار والوقت الذي بذله فيه في المقدمة التي وضعها للكتاب، فحصيلة عمله تكشف بنفسها طبيعة ما بذل من جهد ودأب وأناة في البحث والقراءة والانتقاء والابتسار أو «التقطيع». إنها النصوص نفسها المختارة تلمح الى فرادة هذا العمل، وهي تُقرأ بمتعة وفضول وبهجة، وتعبر عن عمق التجارب التي خاضها الكتّاب والرحّالة الذين يمّموا شطر مكة وجوارها بغية أداء الحج والكتابة عنه، كتابة وصفية او مشهدية وروحية وسردية وتأريخية وسوسيو-ثقافية. إنها نصوص تجمع وفق كتّابها، بين الدين والتاريخ والجغرافيا والمدنية والعمران، بين الادب والشعر والمناجاة والسرد الحدثي والتأمل... وقد يشعر من يقرأ النصوص انه هو من يقوم برحلة بل برحلات الى مكة، ويبصر بأعين الكتاب على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وشواغلهم، ويصغي بآذانهم ويعيش مشاعرهم وانطباعاتهم التي أتوا بها. في الاستهلال الذي كتبه للمختارات يصف السويدي الرحلة الى الحج قائلاً: «لم يكن أداء فريضة الحج على مدى الأجيال رحلة عادية، إنما هي تجربة إنسانية فريدة واستطلاع فكري ممتع للطرق والامكنة، وغبطة روحية لا تضاهيها غبطة اخرى. وكم يطيب أن اقدم لكم في هذا الكتاب صوراً شتى من مشاهد الحج وعظاته وطرائفه. وسنصحب الكثير من الحجاج ونسمع منهم غرائب شتى». إنها رحلة يقوم بها القارئ متجولاً كما يقول السويدي، «مع حجاج البيت العتيق، مستمتعاً بتفاصيل اللوحة التي رسموها، كل بما أوتي من تبحّر وإلهام». نصوص الكتاب كثيرة وكذلك اسماء الكتّاب والرحّالة وعناوين كتبهم، وقد استهله المؤلف بنص لإبن جبير الاندلسي من كتابه «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسرار»، ومما يقول: «وكان اسراؤنا والبدر قد ألقى على البسيطة شعاعه، والليل قد كشف عنا قناعه، والاصوات تصك الآذان بالتلبية من كل مكان، والألسنة تضج بالدعاء وتبتهل الى الله بالثناء، فيا لها من ليلة كانت في الحسن بيضة القعر، فهي عروس ليالي العمر وبكر بنيّات الدهر...». ويختار للقزويني نصاً رمزياً من كتاب «آثار البلاد وأخبار العباد»: «حكى ابو عمرو الزجاجي قال: أردت الحج، فدخلت على الجنيد فأعطاني درهماً شددته في مئزري، فلم انزل منزلاً إلا وجدت رزقاً فما احتجت الى إخراج الدرهم. فلما عدت الى بغداد ودخلت عليه مد يده وأخذ الدرهم». وصف ابن بطوطة ومن النصوص التي اختارها لابن بطوطة في كتابه الشهير «تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» نص عن نساء مكة: «ونساء مكة فائقات الحسن بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف. وهن يكثرن التطيب حتى انّ إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً. وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي وتغلب على الحرم رائحة طيبهن وتذهب المرأة منهن فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقاً». وفي وصف ابن بطوطة لمكة نقرأ: «قبة بئر زمزم تقابل الحجر الأسود، وداخل القبة مفروش بالرخام الابيض، وتنور البئر المباركة في وسط القبة، مائلاً الى الجدار المقابل للكعبة الشريفة، وهو من الرخام البديع الإلصاق مفروغ بالرصاص. وعمق البئر إحدى عشرة قامة وهم يذكرون ان ماءها يتزايد في كل ليلة جمعة وباب القبة الى جهة الشرق...». ويختار المؤلف نصاً بديعاً لأبي حامد الغزالي يتحدث فيه عن منام رآه خلال الحج، وهو من امتع ما يمكن ان يُقرأ في هذا القبيل: «حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى احدهما صاحبه: يا عبدالله فقال الآخر: لبيك يا عبدالله، قال: حجّ بيت ربنا ستمئة الف، أفتدري كم قُبل منهم؟ قال: لا ادري. قال: ستة أنفس. قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً واغتممت غماً شديداً وأهمّني أمري فقلت: إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون انا في ستة انفس؟ فلما افضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت افكر في كثرة الخلق وفي قلة من قُبل منهم، فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما، فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال: أتدري ما حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة؟ قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة الشفاعة لمئة الف، قال: فانتبهت وبي من السرور ما يجلّ عن الوصف». غرائب وأحوال تحفل المختارات بالكثير من الغرائب والطرائف والاحداث والوقائع والمشاهد والحكايات والاحوال الروحية والتجليات، ناهيك باللوحات الوصفية التي كتبها الرحالة مصوّرين مكة وأهلها والكعبة وطقوس الحج وحركة الحجاج وكل المواقع التي تحيط بمكة مثل ينبع والطائف ومنى وعقبة أكرى والجعرانة وجوة وسواها، إضافة الى الطلول الدوارس. واللافت في هذه المختارات هو طابعها الشمولي، لا سيما من ناحية التعاقب الزمني الذي عرفته حركة الرحالة من قرن الى آخر. وقد انتقى المؤلف نصوصاً حديثة كتبها في القرن العشرين على مر عقوده، أدباء كبار وشعراء عرب ورحالة غربيون ومستشرقون كانت لهم رؤيتهم الفريدة الى عالم الحج. ومن العرب: محمد حسين هيكل، ابراهيم عبدالقادر المازني، شكيب ارسلان، محمد لطفي جمعة، محيي الدين رضا، خير الدين الزركلي، عبد الغفور شيخ، علي الطنطاوي وسواهم. اما المستشرقون فهم كثر أيضاً ومنهم: تاكيشي سوزوكي وكنيته الحاج محمد صالح، مالكولم إكس، غرفيه كورتلمون، ميشائيلا الطبيبة الالمانية، ليوبولد فايس، جون لويس بيركهارت المكنّى بالشيخ ابراهيم العباس، السير ريتشارد فرنسيس بيرتون وكنيته الحاج عبدالله، جوزف بتس أو الحاج يوسف وسواهم. متصوفو مكة 1704 يكتب بتس عن متصوفي مكة في العام 1704 قائلا: «وهناك المتصوفون (الدراويش) الذين يعيشون حياة الزهد والتنسك ويسافرون من ادنى البلاد الى اقصاها، وهم يعيشون على صدقات الآخرين، يلبس الواحد منهم قفطاناً أبيض وقبعة طويلة بيضاء وعلى ظهر الواحد منهم جلد ضأن أو ماعز يرقد عليه، وفي يده عصا طويلة بيضاء يحملها». ويكتب علي الطنطاوي عام 1935 نصاً جميلاً يقول فيه: «ليس الخبر كالعيان، وأنا مهما أوتيت من البيان لا أستطيع ان اصف لكم ما يحس به الحاج عندما يقف على باب الحرم ويرى الكعبة للمرة الاولى، فقولوا: آمين. أسأل الله أن يكتب لمن يريد منكم ألا يموت حتى تكتحل عينه برؤية هذا المشهد، مشهد الكعبة». اما هيكل والمازني، فكتبا رحلتيهما كاملتين، معتمدين فن السرد والوصف، مركزين على طرائف وحكايات جميلة. يصعب التطرق الى كل ما تتضمن هذه المختارات من شهادات ومشاهد وسرديات وتجارب شخصية عاشها الرحالة والحجاج، فهي وفيرة جداً ومتعددة الشُعُب والاساليب والرؤى. ولعل هذا ما يجعل من كتاب السويدي مرجعاً لا بد من العودة اليه لقراءة أدبيات الحج والتعرف الى مسالك الرحلات والطقوس والامكنة التاريخية وطبيعتها وناسها. وعلاوة على غنى مضامين هذه النصوص، فالقارئ يشعر بمتعة كبيرة لحظة قراءتها، هي متعة السفر ولو بالمخيلة الى مكة المكرّمة. اما الصور التي اختارها المؤلف فهي بدورها تشكل مرجعاً بصرياً يقدم مشاهد متعددة لمكة والحج اليها، قديماً وحديثاً. https://web.archive.org/.../www.alhayat.com/Articles/4374469 , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

منازل القمر يضيئ آخر ليالي أبوظبي الدولي للكتاب
اطلاق كتاب منازل القمر لمؤلفه سعادة محمد أحمد السويدي الشاعر الإماراتي.
محمد السويدي يلتقي الفائزين بجائزة
قصيدة خفقة قلب - نسخة من جريدة الاتحاد
واحة المعري - امتداد لمشروع معرفي بدأته منذ التسعينيات
إضاءات من حوار صحفي عن أبي العلاء المعري
شكراً لصحيفة الاتحاد


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions