القاهرة الطابع الإفرنجي [ القاهرة ] ج١ أغلب أولاد البلد في القاهرة يقبلون على شراء البنطلون إذا قدروا على دفع ثمنه، يقتبسونه ويقتبسون معه نمط الحياة الإفرنجية. وكلمة " إفرنجي" هي المقابلة لكلمة "بلدي". إنها النطق العربي لكلمة "فرانك" وهي اسم قبيلة جرمانية استوطنت فرنسا في القرن الخامس عش وأطلق في الشرق على الأوروبيين عامة، فهي تعني الآن في موضوعنا كل ما هو ليس بمصري، أو كل ما هو أجنبي. وكان التفرنج يعني في البدء- علاوة على لبس البنطلون- الرقص الأوروبي على أنغام الموسيقى وحفلات الكوكتيل واللوحات الزيتية في حجر الاستقبال بدلاً من لافتات الخط العربي وأثاث من طراز لويس الخامس عشر- يصنعه للزبون المتفرنج نجار بلدي، ويعني فوق ذلك أيضاً إيداع النقود في بنك لا في شكمجية كان هذا في البدء، أما الآن فقد أصبحت جميع هذه الأشياء من صميم الحياة في القاهرة بحيث انقطع الإحساس بأنها من اختصاص الإفرنج.
والمتفرنج القاهري (وهو مسلم في تسع حالات من حالات عشر) ينبغي التفريق بينه وبين "الخواجة"، وهذا لقب صيغ في الأصل ليطلق على كل من هو مسيحي أجنبي وإن شمل أحياناً القبطي: المصري المسيحي أيضاً. ويعيش المتفرنج القاهري والخواجة جنباً إلى جنب في وئام أشد من وئام المسيحيين والمسلمين في قبرص، إلا أن لكل منهما حساباً مختلفاً للآخر. قد يكون نمط حياتهما متشابهاً، ولكن "الخواجة" الذي كان من قبل يتميز بسلطان أكتسبه إبان هيمنة الغرب المسيحي على أقدار العرب، قد خف الآن في الميزان. وكلمة "خواجة" ذاتها- وهي من ألقاب التكريم في لبنان - أصبحت في مصر تبطن معنى الازدراء، لذلك يفضل الأجنبي أن يكون النداء عليه "يا سيد" بدلاً من " يا خواجة" فإن كلمة سيد في مصر الآن تعمل عمل كلمة "مستر" في إنجلترا.
والطبقة الوسطى هي العنصر الحاكم على القاهرة الحديثة، فمن صفوفها خرج أولئك الذين يخططون العاصمة كما هي اليوم، ويرسمون لها أذواقها، ويقودون ثورتها. وقد انبثقت هذه الطبقة الوسطى حديثاً من الجماهير البلدية، وكان القرن التاسع عشر يكاد يولي من قبل أن يصبح للعامة من المصريين حق امتلاك الأرض، وكان كسر احتكار الأسرة الحاكمة للملكية العقارية هو منشأ الطبقة البورجوازية، والفروق بين الطبقات المائعة، والطبقة الوسطى آخذة في النمو، وقد نحدس حجمها من نتائج إحصاءين، فبينما لا يزيد عدد أصحاب السيارات في القاهرة عن 70 ألفاً نجد ما لا يقل عن 600 ألف من سكانها بين موظف حكومي أو مستخدم ، وفئة المستخدمين تشمل أناساً قد وضعوا قدماً- على الأقل- على أول سلم الطبقة الوسطى.