قصة اللوحة (لميعة عباس عمارة): لَوْحتُه شاخت عَنّي
قصة اللوحة (لميعة عباس عمارة): لَوْحتُه شاخت عَنّي
… وحين سافر أستاذنا خالد الجادر لإتمام دراسته العليا، خلفه لتدريسنا الرسم في دار المعلمين العالية الفنان جواد سليم؛ أي أناس محظوظين نحن؟
جمّدني جواد سليم ليجعل منّي نموذجاً يرسمه هو، وتمثالاً أتمّ صنعه على الطين، وأوصى زميلنا محمد راسم أن يصب عليه الجبس، وأهمله راسم حتى تفطّر الطين.
كنت أجلس على مضض في المرسم وهو يتابع تخطيطه على قطعة من الخام الأسمر وكنت أشاكسه أحياناً:
- اعتن يا أستاذ. غداً سيقولون هذا هو الفنان الذي رسم الشاعرة لميعة.
فيرد عليّ بهدوئه العميق:
- بل سيقولون هذه الشاعرة آلَّتي رسمها جواد سليم.
ويصادف في ذلك الوقت عرض فيلم "صورة دوريان غراي". وكنت قرأت الكتاب الممتع وأنا معجبة بأوسكار وايلد، وخياله، ونقده اللاذع آلَّذي يوافق هوى في نفسي، فأقول لأستاذي جواد سليم:
- ليت هذه الصورة تشيخ عني، مثل صورة دوريان غراي.
فيردّ عليّ بهدوء:
- من يدري؟
ويأبى جواد سليم أن يتم الصورة لتبقى مثل السمفونية الناقصة، ويأبى جواد أن يوقع اسمه عليها، ويأبى جواد أن يبيعها وقد دارت بكل المعارض العالمية آلَّتي عرض فيها.
حدثني يوماً أخوه الأديب الفنان نزار سليم عن تلك الصورة فقال: كان جواد يعلقها في بيته، يشرب كأساً كل مساء وهو يتطلّع إليها… كان يحبك يا لميعة. وأسدل عليّ نزار، بكلماته الأخيرة، غيمة سوداء من الحزن. لماذا لا أعرف الناس الذين أحبوني إلّا بعد فوات الأوان؟
تَلّفَنَ لي جبرا يوماً يخبرني أن لورنا، أرملة المرحوم جواد، قد عزمت على ترك العراق نهائياً، والصورة مع أشياء أخرى لا تنوي أخذها معها، ولا ترى أن تعطيها دون مقابل، لأن هذا لا يليق بأعمال الفنان جواد سليم، وتقترح أن تدفعي لها ٥٠ ديناراً ثمناً رمزياً للصورة.
أخبرني جبرا بهذا في الوقت الذي كنت فيه لا أملك خمسين ديناراً. وصار القرار أن تبقى الصورة مع جبرا. وتتابعت حياتي بغير استقرار وسرني أن اللوحة بقيت محفوظة عنده.
ذات يوم، في عشاء في بيت جبرا ببغداد بحضور الشاعرة فدوى طوقان، أمسك جبرا بيدي ووجّهني إلى جدار عليه لوحة جواد سليم، صورتي آلَّتي أدركتها الشيخوخة لأن القماش الرقيق الذي رُسمت عليه قد تهرأ، وعلى موضع القلب من الصورة تمزيق كأنه من أثر طعنة من يد حاقدة.
قال جبرا: سأكلف أحد الفنانين المختصّين أن يرمم هذه اللوحة.
وعادت بي اللحظة إلى جواد سليم الجالس بصبر وهو يتحمل تعليقاتي اللاذعة الساخرة مثل: أنت حقيقة، يا أستاذ، طلّعت روحي بهذه الصورة.
ورأيت أمنيتي المستحيلة تتحقق. فهذه الصورة تشيخ بدلاً عني بعد ربع قرن.
من شهادة صحفية ، وردت هذه الشهادة في كتاب (لورنا سنواتها مع جواد سليم) للأستاذة إنعام كجَه جي، دار الجديد، ١٩٩٨م.
……………………………………
جواد سليم هو فنان تشكيلي ونحات عراقي يعد من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث توفي في 23 يناير 1961، بغداد، العراق
خالد الجادر: فنان عراقي قدير يُنظر إليه على أنه مقدمة للفن التجريدي الحديث في العراق.
مات الفنان جواد سليم، شاباً، بأزمة قلبية عام ١٩٦١، وتوفيت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، في 18 يونيو 2021م عن عمر ٩٢ عاما، وبقيت اللوحة (لميعة) إلى اليوم تلك الشابة التي لم تداهمها الشيخوخة.
قصة اللوحة (لميعة عباس عمارة): لَوْحتُه شاخت عَنّي
… وحين سافر أستاذنا خالد الجادر لإتمام دراسته العليا، خلفه لتدريسنا الرسم في دار المعلمين العالية الفنان جواد سليم؛ أي أناس محظوظين نحن؟
جمّدني جواد سليم ليجعل منّي نموذجاً يرسمه هو، وتمثالاً أتمّ صنعه على الطين، وأوصى زميلنا محمد راسم أن يصب عليه الجبس، وأهمله راسم حتى تفطّر الطين.
كنت أجلس على مضض في المرسم وهو يتابع تخطيطه على قطعة من الخام الأسمر وكنت أشاكسه أحياناً:
- اعتن يا أستاذ. غداً سيقولون هذا هو الفنان الذي رسم الشاعرة لميعة.
فيرد عليّ بهدوئه العميق:
- بل سيقولون هذه الشاعرة آلَّتي رسمها جواد سليم.
ويصادف في ذلك الوقت عرض فيلم "صورة دوريان غراي". وكنت قرأت الكتاب الممتع وأنا معجبة بأوسكار وايلد، وخياله، ونقده اللاذع آلَّذي يوافق هوى في نفسي، فأقول لأستاذي جواد سليم:
- ليت هذه الصورة تشيخ عني، مثل صورة دوريان غراي.
فيردّ عليّ بهدوء:
- من يدري؟
ويأبى جواد سليم أن يتم الصورة لتبقى مثل السمفونية الناقصة، ويأبى جواد أن يوقع اسمه عليها، ويأبى جواد أن يبيعها وقد دارت بكل المعارض العالمية آلَّتي عرض فيها.
حدثني يوماً أخوه الأديب الفنان نزار سليم عن تلك الصورة فقال: كان جواد يعلقها في بيته، يشرب كأساً كل مساء وهو يتطلّع إليها… كان يحبك يا لميعة. وأسدل عليّ نزار، بكلماته الأخيرة، غيمة سوداء من الحزن. لماذا لا أعرف الناس الذين أحبوني إلّا بعد فوات الأوان؟
تَلّفَنَ لي جبرا يوماً يخبرني أن لورنا، أرملة المرحوم جواد، قد عزمت على ترك العراق نهائياً، والصورة مع أشياء أخرى لا تنوي أخذها معها، ولا ترى أن تعطيها دون مقابل، لأن هذا لا يليق بأعمال الفنان جواد سليم، وتقترح أن تدفعي لها ٥٠ ديناراً ثمناً رمزياً للصورة.
أخبرني جبرا بهذا في الوقت الذي كنت فيه لا أملك خمسين ديناراً. وصار القرار أن تبقى الصورة مع جبرا. وتتابعت حياتي بغير استقرار وسرني أن اللوحة بقيت محفوظة عنده.
ذات يوم، في عشاء في بيت جبرا ببغداد بحضور الشاعرة فدوى طوقان، أمسك جبرا بيدي ووجّهني إلى جدار عليه لوحة جواد سليم، صورتي آلَّتي أدركتها الشيخوخة لأن القماش الرقيق الذي رُسمت عليه قد تهرأ، وعلى موضع القلب من الصورة تمزيق كأنه من أثر طعنة من يد حاقدة.
قال جبرا: سأكلف أحد الفنانين المختصّين أن يرمم هذه اللوحة.
وعادت بي اللحظة إلى جواد سليم الجالس بصبر وهو يتحمل تعليقاتي اللاذعة الساخرة مثل: أنت حقيقة، يا أستاذ، طلّعت روحي بهذه الصورة.
ورأيت أمنيتي المستحيلة تتحقق. فهذه الصورة تشيخ بدلاً عني بعد ربع قرن.
من شهادة صحفية ، وردت هذه الشهادة في كتاب (لورنا سنواتها مع جواد سليم) للأستاذة إنعام كجَه جي، دار الجديد، ١٩٩٨م.
……………………………………
جواد سليم هو فنان تشكيلي ونحات عراقي يعد من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث توفي في 23 يناير 1961، بغداد، العراق
خالد الجادر: فنان عراقي قدير يُنظر إليه على أنه مقدمة للفن التجريدي الحديث في العراق.
مات الفنان جواد سليم، شاباً، بأزمة قلبية عام ١٩٦١، وتوفيت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، في 18 يونيو 2021م عن عمر ٩٢ عاما، وبقيت اللوحة (لميعة) إلى اليوم تلك الشابة التي لم تداهمها الشيخوخة.
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles