Arabic    

ميديا وجايسون وجزّة (فروة) الصوف الذهبيّة 1-4


2019-06-08
اعرض في فيس بوك
التصنيف : أساطير

 
 
 
ميديا وجايسون وجزّة (فروة) الصوف الذهبيّة 1-4
 
ملخّص
 
مثل جاسون أمام ايتيس ملك كولشيس مطالباً بالفروة الذهبية التي سيسلمها له أيتيس فقط إن قام بأداء مهام معينة. كانت ميديا، التي تعرف والدها بقدر ما تعرف الأخطار التي تنتظر جاسون، تتقطع حيرةً. فهي تدرك أنَّ عليها أن تبقى مخلصة لوالدها، ولكنها لا تستطيع إنكار المشاعر التي تكنّها لجاسون. يعدها جاسون بالزواج مقابل مساعدتها، فتستخدم معرفتها بالسحر لتعينه. ينجح جاسون ويحصل على الفروة الذهبية.
 
النصّ في كتاب التحوّلات
لأوفيد
 
آنئذ ، كان خلف مينياس (Minyas) يمخرون البحر
في سفينتهم التي انطلقت من خليج باغازي (Pagasai) .
وكانوا قد زاروا فينيوس (Phineus) ورأوا إليه
يجرجر شيخوخة بائسة ، في ليل أبدي .
وكان ابنا آكيلون (Aquilon) الشابان ،
قد طردا بعيداً عن فم الشيخ التاعس ،
الطيور ذات الرؤوس النسائية التي تجوعه [1] 
وبعد آلام كثيرة ،
بلغ أخيراً جازون (Jason) الذائع الصيت ، ورفقاؤه
المياه السريعة في فازيس (Phasis) الغريني .
ذهبوا إلى الملك وطلبوا منه جزة الكبش فريكسوس (Phrixus)، 
ففرض على خلف مينياس عدداً رهيباً من الأعمال الضخمة .
إلا أن ناراً عنيفة اشتعلت في قلب ميديا ، ابنة الملك ، 
وصارعت ذلك طويلا ، لكن العقل لم يستطع أن يتغلب على هذيانها .
فقالت تخاطب نفسها :
"عبثا تقاومين ، يا ميديا .
ثمة إله لا أعرف من هو ، يناوئ جهودك .
وسيكون الأمر مدهشا إذا لم يكن هنالك ما نسميه بالحب 
(أو على الأقل ما يشبه الحبّ) .
لماذا تبدو لي أوامر أبي قاسيةً ?
نعم ، في الحقيقة هي قاسية .
هذا الشاب رأيته منذ عهدٍ قريب للمرّة الأولى ،
فمن أين يجيئني هذا الخوف على حياته ?
ما علّة خوفٍ كبير كهذا ?
اطردي من قلبك البتول هذا اللّهب الذي يلتهمه
إن استطعتِ ، أيّتها التاعسة .
إن استطعتُ ، لو كنت أستطيع
لكنت اكثر تعقلا .
لكن ، هناك قوّة مجهولة ترهقني ، رغماً عنّي .
يعطيني الهوى نصيحةً ،
ويُعطيني العقل أخرى .
أرى الخير ، وأستحسنه
غير أنّ الشرّ هو ما يجذبني .
لماذا ، يا ابنة الملك ، تلتهبين حبّاً 
من أجل أجنبيّ ، وتفكّرين بأخذِ زوج من كونٍ آخر ?
يستطيع وطنك أن يقدّم لكِ ما يجدر بحبّكِ .
أن يعيش هذا الشاب 
أو أن يموت ، أمرٌ من شأن الآلهة .
كلاّ ، فَلْيَعِشْ !
أقدر أن أرفع إليهم هذا التوسّل ،
حتى دون حبّ .
وماذا كانت جريمة جازون ?
من إذن لا يتعاطف مع جازون ?
إلاّ إذا كان متوحّشاً
لعمره ، ولنشأته وشجاعته ?
من لا يتأثر بجماله وحده ،
إن غاب الباقي كله ?
قلبي أنا ، على الأقل ، متأثر به .
إن لم أساعده ، فسوف يهلك
تحت أنفاس الثيران ،
أو يعرض لضربات الأعداء
الذين بذرتهم يده ، وولدتهم الأرض ،
أو يسلم فريسة ، كمثل حيوان متوحش ،
إلى شراهة التنين .
إن كنت أطيق ذلك ،
فسأقدر آنذاك أن أقول 
إنني ولدت من نمرة
وأن أقول
ليس في قلبي غير الحديد والصخر . لماذا آنذاك ، لا أذهب أنا كذلك ،
أنظر إليه وهو يموت ،
وألطخ عيني المتواطئتين ، بهذا المشهد ?
لماذا لا أذهب لأحرض عليه الثيران ،
وأبناء الأرض العتاة ،
والتنين الذي لا ينام ?
لتحمني الآلهة من هذا كله !
لكن ليست المسألة أن أتمنى
بل أن أعمل .
وماذا !
هل أتخلى عن صولجان أبي ?
وبعون مني أضمن سلامة غريب لا أعرفه
لكي ينشر ، وقد نجا بفضلي ، أشرعته في الريح ويمضي بدوني ،
لكي يصبح زوجا لأخرى ،
ولأبقى أنا ، ميديا ، وحيدة ، أتحمّل عقابي ?
إن كان قادراً على ذلك 
إن استطاع أن يُفضِّل عليّ امرأةً أخرى ،
فَلْيَهلكْ ، هذا الناكر الجميل !
غير أنّ تعبير وجهه ، ونبل نفسه ،
وسحر شخصه ، لا تسمح لي
أن أخشى غدراً من جهته
أو نسياناً لنِعَمي عليه .
قبل كلّ شيء سيعاهدني
وسأجبره على أن يتَّخذ الآلهة شهوداً لعهدنا .
لماذا ترتابين من مستقبلٍ مؤكّد ?
هيّئي نفسكِ للعمل .
تجنَّبي كلّ تأخير .
سيكون جازون أسيراً لفضلكِ إلى الأبد .
سيتزوّجكِ في ضوء المشاعل الاحتفاليّة
وسوف تحتفل بكِ أمَّهاتٌ كثيراتٌ في مدن اليونان
لأنكِ أنقذتِ حياة أبنائِهنَّ .
هكذا أختي ، أخي ، أبي ، آلهتي ،
التراب الذي رأى ولادتي .. هكذا ، إذن ،
سأهجر هذا كلّه ?
نعم ، لأنّ أبي فظِّ ، وبلادي متوحّشة ،
وأخي لا يزال طفلاً .
تمنِّياتُ أختي إلى جانبي
وأحمل في داخلي أكبر الآلهة .
لا مجد ، في كلّ ما سأتخلّى عنه .
وما أبهى المجد الذي سأحصل عليه بهربي :
إنّه مجدُ إنقاذ الشّاب اليونانيّ ،
وفرصة التعرّف على بلدٍ ، حيث الحياة أكثر جمالاً ،
وعلى مدن ذاعت شهرتها إلى هنا ،
وعلى الحضارة والفنون في كل بقعة .
ولي أخيرا ،
الرجل الذي سأتخلى من أجله
عن كنوز الكون كلها ،
ابن إيزون ! (Eson) 
عندما سيصبح زوجي ، 
سيقال عني إنني امرأة سعيدة ،
تحبها الآلهة ،
وسيعلو رأسي حتى الكواكب .
وما يهم ذلك الكلام الذي يدور على ما لا أعرف
من جبال ، [2] تتلاطم في قلب الأمواج ،
وتهاجم البحارة على خاريبديس (Charybdis) ،
عدوة السفن ، التي تبتلع الموج حينا ،
وحينا تلفظه ،
على سكيللا (Scylla) الكاسرة ،
التي تتزنر بحزام من كلاب متوحشة
تجعل بحر صقلية يدوي بنباحها .
ليكن .
غير أنني عندما سأحصل على من أحب ،
مشدودة إلى صدر جازون ،
سأترك نفسي تمضي بعيداً في دروب البحار .
وعندما سأضمه بين ذراعي ،
لن أخشى شيئاً ،
وإذا شعرت ببعض الخوف ،
فسوف يكون خوفاً على زوجي ،
خوفاً عليه وحده .
الزوج ? ماذا تقولين ?
كلاً ، لماذا تغطّين خطأك ، يا ميديا ، باسمٍ خادعٍ ?
انظري بالأحرى إلى أيّ حدٍّ يقودُكِ هيامكِ ،
لانتهاكِ الشَّرعِ الإلهيّ ،
واهربي من الجريمة ما دمتِ قادرة حتى الآن " .
كانت تتكلّم ، وأمام عينيها تنهض الفضيلة ،
وحبّ الوالدين ، والحياة ،
وكان كوبيدون المَغلوب يُدير ظهرَه .
توجَّهت إلى الهياكل القديمة ، للإلهة هيكات (Hecate)، [3] 
ابنة بيرسيس (Perses) ، المُختبئة في أعماق غابةٍ ،
تحت ظلالٍ كثيفة .
هي الآن أكثر قوّة من ذي قبل ،
نجحت في أن تطرد عنها بعيداً 
الهوى الذي كان يُشعل قلبها
عندما رأت أمامها ابن إيزون .
ولم تكد نيرانها تنطفىء حتى اشتعلت من جديد ،
احمرَّ خدّاها ،
 
ومن جديد تضرَّم وجهها كلّه .
كان حب ميديا يفتر.
ويبدو كأنّه يخمد ،
وفجأةً يضطرمُ
عندما يحضر الشاب وترى مَفاتنه .
كمثل شرارةٍ صغيرة ،
تختبىء تحت كومةٍ من الرّماد ،
وتتغذى من هبوب الرّيح ،
ثمّ تحتدم ،
وتجد في هذا الاحتدام قواها الأولى .
وقد شاء الحظّ بالفعل أن يكون ابن إيزون ،
ذلك اليوم ، أكثر جمالاً منه في أيّ وقت ،
فكان لعشيقته أعذارها .
كانت تتأمّله ، مثبِّتةً عينيها على وجهه ،
كما لو أنها تراه للمرّة الأولى .
كان يبدو لها ، في هُيامها الجنونيّ ،
أنّ قسماته ليست قسمات إنسانٍ ،
ولم تعد تحوّل أنظارَها عنه .
غير أن هذا الأجنبيّ هو الذي بدأ الكلام ،
أمسك بيدها ،
وطلب منها بصوتٍ عاشقٍ
أن تساعده ، واعداً إيّها أن يُشاركها سريرَها .
آنذاك ، قالت له باكيةً :
" أعرف جيّداً ما سأفعله
وليس جهلي بواجبي هو ما يدفعني ،
بل الحبّ .
ستنجو ، بفضلي .
فكن عند عهدِكَ بعد أن أنقذكَ "
تعهَّد جازون بشرفه مُقسماً على الوفاء لها
بهياكل الإلهة ذات الوجوه الثلاثة ،
وبالآلهة الذي يهيمنون في هذه الغابة ،
وبالإله الذي يرى كلّ شيء ،
والذي ولد والد زوجته المقبلة ،
وبالنجاح الذي يأمله .
وبالمخاطر التي سيواجهها .
في الحال ، تناول منها أعشابا مسحورة ،
وتعلم كيفية استخدامها ،
ومضى إلى مأواه فرحاً .
في الغداة ، عندما طرد الفجر النجوم المتلألئة ،
تجمع الشعب في حقل منذور للإله مارس ،
وجلس في الأماكن العالية .
جلس الملك نفسه بين حرسه ،
وهو يُعرف بسهولة ، من لباس الأرجوان 
ومن صولجانه العاجي .
وها هي الثيران ذات القوائم البرونزية
تنفث من خياشيمها الفولاذية 
ناراً أحرقت العشب بمرورها عليه .
كانت صدورها وحلوقها المضطرمة
تهدر ، فيما تقذف دوامات اللهب ،
كمثل ما تهدر المحارق المليئة ،
أو يهدر الكلس الذي يصبح كاويا
في أتون تحت الأرض ، متحللا
تحت دفق الماء يسقى به .
مع ذلك ، سار ابن إيزون لملاقاتها .
عندما اقترب ،
أدارت نحوه وجوهها المتوعدة الرهيبة ،
وقرونها ذات الرؤوس الحديدية .
وأخذت تضرب الأرض الغبراء بقوائمها الظلفاء ،
وتملأ الأنحاء بخوار ترافقه غيوم من الدخان .
جمد الخوف أبناء مينياس ،
وتقدم جازون غير شاعر بالأنفاس المحرقة
التي تصعدها الثيران 
(كم هي قوية تلك الأعشاب المسحورة) .
وأخذ بيد جريئة يداعب غبغبها المتدلي تحت أحناكها ،
أخضعها ،
وأجبرها أن تجر المحراث الثقيل ،
وأن تحرث ذلك السهل الذي لم يلامسه الحديد من قبل .
ذهل الكولشيديون
وازداد جازون شجاعة وحماسة 
بالصراخ الذي أطلقه أبناء مينياس .
عند ذاك ، تناول من خوذة برونزية
أسنان التنين ، ونثرها في الحقل الذي حرثه .
لين التراب هذا البذار ، المسموم مسبقاً
بسم التنين ،
وكبرت الأسنان التي بذرت في الأثلام
وصارت أجساماً جديدة .
وكما يأخذ الطفل شكله الإنساني في رحم أمه ،
حيث تجتمع أجزاء كيانه ،
ثم يخرج من الرحم ، وقد اكتمل نضجه ،
لكي يعيش في المناخ البشري المشترك ،
هكذا ، بعد اكتساب الشكل الإنساني 
في أحشاء الأرض الملقحة ،
نهض محاربون في الحقل الذي أظهرهم إلى العالم ،
يشهرون ، وتلك معجزة أكثر إدهاشاً ، أسلحة ولدت معهم .
عندما رآهم اليونانيون 
يستعدون لرشق رماحهم ذوات الرؤوس المفولذة
على بطل هيمونيا (Hemonie) الشاب ،
سيطر عليهم الرعب ،
انحنت في آن واحد جباههم وشجاعتهم .
استولى الرعب حتى على تلك التي جعلت منه رجلاً منيعاً .
اصفرت من رؤية هذا الشاب وحيداً ،
عرضة لضربات أعداء كثيرين .
فجأة توقف دمها ، وجلست بلا حراك .
خافت ألا تكون للأعشاب التي أعطته إياها
الخصائص الكافية ،
فغنت ، لكي تنجده ، ترانيم سحرية ،
واستحضرت أسرار فنها .
أبعد عنه عنف الإله مارس وحوله ضدهم
ألقى جازون وسط أعدائه حجراً ثقيلاً ،
فهؤلاء الاخوة الطالعون من الأرض يهلكون
بالطعنات التي يتبادلونها . يسقطون
ضحايا حرب أهلية .
هنأ الآخيون المنتصر ،
وأقبلوا عليه مسرعين لضمه بين أذرعهم .
أنت كذلك ، تمنيت أن تعانقي المنتصر ،
يا ابنة المتوحشين ،
والحياء هو الذي صد رغبتك ،
ومع ذلك كنت ستعانقينه ،
غير أن اهتمامك بسمعتك حال دون ذلك .
لكنك ، وهذا متاح لك تماماً ،
تشعرين في أعماق قلبك ،
بفرح خفي ، وتحمدين تعازيمك
والآلهة التي ألهمتك إياها .
بقي أن ينوم بخاصية الأعشاب ، التنين الساهر
الذي كان يجذب الأنظار بقنزعته
وألسنته الثلاثة وأسنانه المعقوفة ،
ذلك الوحش الشنيع الذي كان يحرس
الشجرة التي تتلألأ ببريق الذهب .
رمت عليه ميديا نبتة 
يفعل نسغها فعل السبات
كررت ثلاث مرات ألفاظا
تجلب النوم الهادئ ،
وتوقف البحر المائج
والأنهار الهائجة .
فسيطر النوم على هاتين العينين اللتين لم تنطبقا من قبل ،
واستحوذ البطل ، ابن إيزون ، على الجزة الذهبية .
أخذ هذه الهدية مزهوا
وأخذ معها غنيمة أخرى ، تلك التي يدين لها
بمثل هذا الفضل الكبير ،
ووصل ظافرا ، تصحبه زوجته ،
إلى مرفأ إيولكوس (Iolcos) .
1. هذه الطيور هي الهاربي (Harpyes) ، عفاريت مجنحة "تخطف" أرواح الأطفال . وكان فينيوس ملك تراسيا ، الذي عمي بإرادة من جوبيتر عقابا على جرم يختلف في تفسير أسبابه ، جائعا باستمرار لأن هذه العفاريت كانت تنزع منه كل غذاء أو تلوثه . وقد طردها زيتيس (zete) وكالائيس (Calais) ابنا بورياس (Boree) ، ريح الشمال ، التي تسمى هنا الآكيلون (Aquilon) ، عرفانا منهما
2. هي المعروفة باسم (Les symplegades) ، وهي عبارة عن صخور عائمة تحاول أن تسحق المراكب التي تخاطر بنفسها في المرور بينها .
3. هيكات ، وفق رأي هيسيود (Hesiode) في كتابه "أنساب الآلهة" (Theogonie, 404 - 452) ، هي إلهة خيرة ، ابنة بيرسيس (Perses) ، الذي هو ابن الشمس . وهذا مما جعل هيكات تصبح في عداد عائلة آييتيس (Aeetes) الذي هو نفسه ابن الشمس ، وهي ابنة أخيه . وهي كذلك ابنة أخي سيرسي وباسيفائي اللتين هما أختا آييتيس ، وابنة عم ميديا ، وكانت بوصفها نسيبة القمر ، تمثل كامرأة بثلاثة أجسام أو بثلاثة رؤوس ، مجسدة في آن وجوه القمر الثلاث : الهلال ، البدر ، والربع الأخير منه ، والطرق الثلاثة التي تتلاقى في المفترقات التي تسهر عليها

      ميديا وجايسون وجزّة (فروة) الصوف الذهبيّة 1-4   ملخّص   مثل جاسون أمام ايتيس ملك كولشيس مطالباً بالفروة الذهبية التي سيسلمها له أيتيس فقط إن قام بأداء مهام معينة. كانت ميديا، التي تعرف والدها بقدر ما تعرف الأخطار التي تنتظر جاسون، تتقطع حيرةً. فهي تدرك أنَّ عليها أن تبقى مخلصة لوالدها، ولكنها لا تستطيع إنكار المشاعر التي تكنّها لجاسون. يعدها جاسون بالزواج مقابل مساعدتها، فتستخدم معرفتها بالسحر لتعينه. ينجح جاسون ويحصل على الفروة الذهبية.   النصّ في كتاب التحوّلات لأوفيد   آنئذ ، كان خلف مينياس (Minyas) يمخرون البحر في سفينتهم التي انطلقت من خليج باغازي (Pagasai) . وكانوا قد زاروا فينيوس (Phineus) ورأوا إليه يجرجر شيخوخة بائسة ، في ليل أبدي . وكان ابنا آكيلون (Aquilon) الشابان ، قد طردا بعيداً عن فم الشيخ التاعس ، الطيور ذات الرؤوس النسائية التي تجوعه [1]  وبعد آلام كثيرة ، بلغ أخيراً جازون (Jason) الذائع الصيت ، ورفقاؤه المياه السريعة في فازيس (Phasis) الغريني . ذهبوا إلى الملك وطلبوا منه جزة الكبش فريكسوس (Phrixus)،  ففرض على خلف مينياس عدداً رهيباً من الأعمال الضخمة . إلا أن ناراً عنيفة اشتعلت في قلب ميديا ، ابنة الملك ،  وصارعت ذلك طويلا ، لكن العقل لم يستطع أن يتغلب على هذيانها . فقالت تخاطب نفسها : "عبثا تقاومين ، يا ميديا . ثمة إله لا أعرف من هو ، يناوئ جهودك . وسيكون الأمر مدهشا إذا لم يكن هنالك ما نسميه بالحب  (أو على الأقل ما يشبه الحبّ) . لماذا تبدو لي أوامر أبي قاسيةً ? نعم ، في الحقيقة هي قاسية . هذا الشاب رأيته منذ عهدٍ قريب للمرّة الأولى ، فمن أين يجيئني هذا الخوف على حياته ? ما علّة خوفٍ كبير كهذا ? اطردي من قلبك البتول هذا اللّهب الذي يلتهمه إن استطعتِ ، أيّتها التاعسة . إن استطعتُ ، لو كنت أستطيع لكنت اكثر تعقلا . لكن ، هناك قوّة مجهولة ترهقني ، رغماً عنّي . يعطيني الهوى نصيحةً ، ويُعطيني العقل أخرى . أرى الخير ، وأستحسنه غير أنّ الشرّ هو ما يجذبني . لماذا ، يا ابنة الملك ، تلتهبين حبّاً  من أجل أجنبيّ ، وتفكّرين بأخذِ زوج من كونٍ آخر ? يستطيع وطنك أن يقدّم لكِ ما يجدر بحبّكِ . أن يعيش هذا الشاب  أو أن يموت ، أمرٌ من شأن الآلهة . كلاّ ، فَلْيَعِشْ ! أقدر أن أرفع إليهم هذا التوسّل ، حتى دون حبّ . وماذا كانت جريمة جازون ? من إذن لا يتعاطف مع جازون ? إلاّ إذا كان متوحّشاً لعمره ، ولنشأته وشجاعته ? من لا يتأثر بجماله وحده ، إن غاب الباقي كله ? قلبي أنا ، على الأقل ، متأثر به . إن لم أساعده ، فسوف يهلك تحت أنفاس الثيران ، أو يعرض لضربات الأعداء الذين بذرتهم يده ، وولدتهم الأرض ، أو يسلم فريسة ، كمثل حيوان متوحش ، إلى شراهة التنين . إن كنت أطيق ذلك ، فسأقدر آنذاك أن أقول  إنني ولدت من نمرة وأن أقول ليس في قلبي غير الحديد والصخر . لماذا آنذاك ، لا أذهب أنا كذلك ، أنظر إليه وهو يموت ، وألطخ عيني المتواطئتين ، بهذا المشهد ? لماذا لا أذهب لأحرض عليه الثيران ، وأبناء الأرض العتاة ، والتنين الذي لا ينام ? لتحمني الآلهة من هذا كله ! لكن ليست المسألة أن أتمنى بل أن أعمل . وماذا ! هل أتخلى عن صولجان أبي ? وبعون مني أضمن سلامة غريب لا أعرفه لكي ينشر ، وقد نجا بفضلي ، أشرعته في الريح ويمضي بدوني ، لكي يصبح زوجا لأخرى ، ولأبقى أنا ، ميديا ، وحيدة ، أتحمّل عقابي ? إن كان قادراً على ذلك  إن استطاع أن يُفضِّل عليّ امرأةً أخرى ، فَلْيَهلكْ ، هذا الناكر الجميل ! غير أنّ تعبير وجهه ، ونبل نفسه ، وسحر شخصه ، لا تسمح لي أن أخشى غدراً من جهته أو نسياناً لنِعَمي عليه . قبل كلّ شيء سيعاهدني وسأجبره على أن يتَّخذ الآلهة شهوداً لعهدنا . لماذا ترتابين من مستقبلٍ مؤكّد ? هيّئي نفسكِ للعمل . تجنَّبي كلّ تأخير . سيكون جازون أسيراً لفضلكِ إلى الأبد . سيتزوّجكِ في ضوء المشاعل الاحتفاليّة وسوف تحتفل بكِ أمَّهاتٌ كثيراتٌ في مدن اليونان لأنكِ أنقذتِ حياة أبنائِهنَّ . هكذا أختي ، أخي ، أبي ، آلهتي ، التراب الذي رأى ولادتي .. هكذا ، إذن ، سأهجر هذا كلّه ? نعم ، لأنّ أبي فظِّ ، وبلادي متوحّشة ، وأخي لا يزال طفلاً . تمنِّياتُ أختي إلى جانبي وأحمل في داخلي أكبر الآلهة . لا مجد ، في كلّ ما سأتخلّى عنه . وما أبهى المجد الذي سأحصل عليه بهربي : إنّه مجدُ إنقاذ الشّاب اليونانيّ ، وفرصة التعرّف على بلدٍ ، حيث الحياة أكثر جمالاً ، وعلى مدن ذاعت شهرتها إلى هنا ، وعلى الحضارة والفنون في كل بقعة . ولي أخيرا ، الرجل الذي سأتخلى من أجله عن كنوز الكون كلها ، ابن إيزون ! (Eson)  عندما سيصبح زوجي ،  سيقال عني إنني امرأة سعيدة ، تحبها الآلهة ، وسيعلو رأسي حتى الكواكب . وما يهم ذلك الكلام الذي يدور على ما لا أعرف من جبال ، [2] تتلاطم في قلب الأمواج ، وتهاجم البحارة على خاريبديس (Charybdis) ، عدوة السفن ، التي تبتلع الموج حينا ، وحينا تلفظه ، على سكيللا (Scylla) الكاسرة ، التي تتزنر بحزام من كلاب متوحشة تجعل بحر صقلية يدوي بنباحها . ليكن . غير أنني عندما سأحصل على من أحب ، مشدودة إلى صدر جازون ، سأترك نفسي تمضي بعيداً في دروب البحار . وعندما سأضمه بين ذراعي ، لن أخشى شيئاً ، وإذا شعرت ببعض الخوف ، فسوف يكون خوفاً على زوجي ، خوفاً عليه وحده . الزوج ? ماذا تقولين ? كلاً ، لماذا تغطّين خطأك ، يا ميديا ، باسمٍ خادعٍ ? انظري بالأحرى إلى أيّ حدٍّ يقودُكِ هيامكِ ، لانتهاكِ الشَّرعِ الإلهيّ ، واهربي من الجريمة ما دمتِ قادرة حتى الآن " . كانت تتكلّم ، وأمام عينيها تنهض الفضيلة ، وحبّ الوالدين ، والحياة ، وكان كوبيدون المَغلوب يُدير ظهرَه . توجَّهت إلى الهياكل القديمة ، للإلهة هيكات (Hecate)، [3]  ابنة بيرسيس (Perses) ، المُختبئة في أعماق غابةٍ ، تحت ظلالٍ كثيفة . هي الآن أكثر قوّة من ذي قبل ، نجحت في أن تطرد عنها بعيداً  الهوى الذي كان يُشعل قلبها عندما رأت أمامها ابن إيزون . ولم تكد نيرانها تنطفىء حتى اشتعلت من جديد ، احمرَّ خدّاها ،   ومن جديد تضرَّم وجهها كلّه . كان حب ميديا يفتر. ويبدو كأنّه يخمد ، وفجأةً يضطرمُ عندما يحضر الشاب وترى مَفاتنه . كمثل شرارةٍ صغيرة ، تختبىء تحت كومةٍ من الرّماد ، وتتغذى من هبوب الرّيح ، ثمّ تحتدم ، وتجد في هذا الاحتدام قواها الأولى . وقد شاء الحظّ بالفعل أن يكون ابن إيزون ، ذلك اليوم ، أكثر جمالاً منه في أيّ وقت ، فكان لعشيقته أعذارها . كانت تتأمّله ، مثبِّتةً عينيها على وجهه ، كما لو أنها تراه للمرّة الأولى . كان يبدو لها ، في هُيامها الجنونيّ ، أنّ قسماته ليست قسمات إنسانٍ ، ولم تعد تحوّل أنظارَها عنه . غير أن هذا الأجنبيّ هو الذي بدأ الكلام ، أمسك بيدها ، وطلب منها بصوتٍ عاشقٍ أن تساعده ، واعداً إيّها أن يُشاركها سريرَها . آنذاك ، قالت له باكيةً : " أعرف جيّداً ما سأفعله وليس جهلي بواجبي هو ما يدفعني ، بل الحبّ . ستنجو ، بفضلي . فكن عند عهدِكَ بعد أن أنقذكَ " تعهَّد جازون بشرفه مُقسماً على الوفاء لها بهياكل الإلهة ذات الوجوه الثلاثة ، وبالآلهة الذي يهيمنون في هذه الغابة ، وبالإله الذي يرى كلّ شيء ، والذي ولد والد زوجته المقبلة ، وبالنجاح الذي يأمله . وبالمخاطر التي سيواجهها . في الحال ، تناول منها أعشابا مسحورة ، وتعلم كيفية استخدامها ، ومضى إلى مأواه فرحاً . في الغداة ، عندما طرد الفجر النجوم المتلألئة ، تجمع الشعب في حقل منذور للإله مارس ، وجلس في الأماكن العالية . جلس الملك نفسه بين حرسه ، وهو يُعرف بسهولة ، من لباس الأرجوان  ومن صولجانه العاجي . وها هي الثيران ذات القوائم البرونزية تنفث من خياشيمها الفولاذية  ناراً أحرقت العشب بمرورها عليه . كانت صدورها وحلوقها المضطرمة تهدر ، فيما تقذف دوامات اللهب ، كمثل ما تهدر المحارق المليئة ، أو يهدر الكلس الذي يصبح كاويا في أتون تحت الأرض ، متحللا تحت دفق الماء يسقى به . مع ذلك ، سار ابن إيزون لملاقاتها . عندما اقترب ، أدارت نحوه وجوهها المتوعدة الرهيبة ، وقرونها ذات الرؤوس الحديدية . وأخذت تضرب الأرض الغبراء بقوائمها الظلفاء ، وتملأ الأنحاء بخوار ترافقه غيوم من الدخان . جمد الخوف أبناء مينياس ، وتقدم جازون غير شاعر بالأنفاس المحرقة التي تصعدها الثيران  (كم هي قوية تلك الأعشاب المسحورة) . وأخذ بيد جريئة يداعب غبغبها المتدلي تحت أحناكها ، أخضعها ، وأجبرها أن تجر المحراث الثقيل ، وأن تحرث ذلك السهل الذي لم يلامسه الحديد من قبل . ذهل الكولشيديون وازداد جازون شجاعة وحماسة  بالصراخ الذي أطلقه أبناء مينياس . عند ذاك ، تناول من خوذة برونزية أسنان التنين ، ونثرها في الحقل الذي حرثه . لين التراب هذا البذار ، المسموم مسبقاً بسم التنين ، وكبرت الأسنان التي بذرت في الأثلام وصارت أجساماً جديدة . وكما يأخذ الطفل شكله الإنساني في رحم أمه ، حيث تجتمع أجزاء كيانه ، ثم يخرج من الرحم ، وقد اكتمل نضجه ، لكي يعيش في المناخ البشري المشترك ، هكذا ، بعد اكتساب الشكل الإنساني  في أحشاء الأرض الملقحة ، نهض محاربون في الحقل الذي أظهرهم إلى العالم ، يشهرون ، وتلك معجزة أكثر إدهاشاً ، أسلحة ولدت معهم . عندما رآهم اليونانيون  يستعدون لرشق رماحهم ذوات الرؤوس المفولذة على بطل هيمونيا (Hemonie) الشاب ، سيطر عليهم الرعب ، انحنت في آن واحد جباههم وشجاعتهم . استولى الرعب حتى على تلك التي جعلت منه رجلاً منيعاً . اصفرت من رؤية هذا الشاب وحيداً ، عرضة لضربات أعداء كثيرين . فجأة توقف دمها ، وجلست بلا حراك . خافت ألا تكون للأعشاب التي أعطته إياها الخصائص الكافية ، فغنت ، لكي تنجده ، ترانيم سحرية ، واستحضرت أسرار فنها . أبعد عنه عنف الإله مارس وحوله ضدهم ألقى جازون وسط أعدائه حجراً ثقيلاً ، فهؤلاء الاخوة الطالعون من الأرض يهلكون بالطعنات التي يتبادلونها . يسقطون ضحايا حرب أهلية . هنأ الآخيون المنتصر ، وأقبلوا عليه مسرعين لضمه بين أذرعهم . أنت كذلك ، تمنيت أن تعانقي المنتصر ، يا ابنة المتوحشين ، والحياء هو الذي صد رغبتك ، ومع ذلك كنت ستعانقينه ، غير أن اهتمامك بسمعتك حال دون ذلك . لكنك ، وهذا متاح لك تماماً ، تشعرين في أعماق قلبك ، بفرح خفي ، وتحمدين تعازيمك والآلهة التي ألهمتك إياها . بقي أن ينوم بخاصية الأعشاب ، التنين الساهر الذي كان يجذب الأنظار بقنزعته وألسنته الثلاثة وأسنانه المعقوفة ، ذلك الوحش الشنيع الذي كان يحرس الشجرة التي تتلألأ ببريق الذهب . رمت عليه ميديا نبتة  يفعل نسغها فعل السبات كررت ثلاث مرات ألفاظا تجلب النوم الهادئ ، وتوقف البحر المائج والأنهار الهائجة . فسيطر النوم على هاتين العينين اللتين لم تنطبقا من قبل ، واستحوذ البطل ، ابن إيزون ، على الجزة الذهبية . أخذ هذه الهدية مزهوا وأخذ معها غنيمة أخرى ، تلك التي يدين لها بمثل هذا الفضل الكبير ، ووصل ظافرا ، تصحبه زوجته ، إلى مرفأ إيولكوس (Iolcos) . 1. هذه الطيور هي الهاربي (Harpyes) ، عفاريت مجنحة "تخطف" أرواح الأطفال . وكان فينيوس ملك تراسيا ، الذي عمي بإرادة من جوبيتر عقابا على جرم يختلف في تفسير أسبابه ، جائعا باستمرار لأن هذه العفاريت كانت تنزع منه كل غذاء أو تلوثه . وقد طردها زيتيس (zete) وكالائيس (Calais) ابنا بورياس (Boree) ، ريح الشمال ، التي تسمى هنا الآكيلون (Aquilon) ، عرفانا منهما 2. هي المعروفة باسم (Les symplegades) ، وهي عبارة عن صخور عائمة تحاول أن تسحق المراكب التي تخاطر بنفسها في المرور بينها . 3. هيكات ، وفق رأي هيسيود (Hesiode) في كتابه "أنساب الآلهة" (Theogonie, 404 - 452) ، هي إلهة خيرة ، ابنة بيرسيس (Perses) ، الذي هو ابن الشمس . وهذا مما جعل هيكات تصبح في عداد عائلة آييتيس (Aeetes) الذي هو نفسه ابن الشمس ، وهي ابنة أخيه . وهي كذلك ابنة أخي سيرسي وباسيفائي اللتين هما أختا آييتيس ، وابنة عم ميديا ، وكانت بوصفها نسيبة القمر ، تمثل كامرأة بثلاثة أجسام أو بثلاثة رؤوس ، مجسدة في آن وجوه القمر الثلاث : الهلال ، البدر ، والربع الأخير منه ، والطرق الثلاثة التي تتلاقى في المفترقات التي تسهر عليها , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

فينوس على عرشها - للفنان اندريا منتينيا
قدموس وهرمونيا - من كتاب التحوّلات لأوفيد
فينوس ومارس - من كتاب التحوّلات لأوفيد
Trevi Fountain - Rome
YTHIC S1, E7 - The tragic myth of Orpheus and Eurydice - Brendan Pelsue
ميديا وجايسون وجزّة (فروة) الصوف الذهبيّة 1-4
ميديا وبيلياس - من كتاب التحوّلات لأوفيد


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions