نرسيس أو نرجس أو نركسوس في المثيولوجيا والأساطير اليونانية هو ابن الإله كيفيسيا والحورية ليريوبي، أُشتهر لجماله، وكان كان مغرورًا وفخورًا بنفسه لدرجة تجاهله وإعراضه عن كل من يحبه؛ لاحظت الإلهة نمسيس تصرفه ذاك وأخذته إلى بحيرة حيث رأى إنعكاس صورته فيها ووقع في حبها دون أن يدرك بأنها مجرد صورة، أعجب بصورته لدرجة عجز فيها عن تركها ولم يعد يرغب بالعيش وبقي يحدق بصورته إلى أن مات.
لأصحاب الذائقة الرفيعة والمهتمين بذلك النوع من الآداب والفنون ولمن لديهم الشغف شاهدوا الفيديو وانتقلوا عبر الرابط التالي إلى التمتع بقراءة قصيدة أوفيد والتي تحكي هذه الأسطورة بأسلوب يحاكي السينما الحديثة.
حسبَ أنّه جسم.
نرسيس (3) التحولات لأوفيد
وفيما كان يشرب،
أخذ بصورته التي رآها في الماء،
بانعكاسٍ رجراجٍ،
فما لم يكن إلاّ ظِلاًّ،
حسبَ أنّه جسم.
انتشى أمام نفسه،
وتأمّلَ نجمتين لم تكونا إلا عينيه،
وشعره الجدير بباخوس، وليس أقلّ جدارةً بأبولّون، 12
وخدّيه النّاعمين، وعنقه العاجيّ،
وفمه البديع،
ولونه الذي يشعُّ بألقٍ عقيقيٍّ
يوشّحه بياضٌ كالثّلج.
أعجبَ بكلّ ما يوحي بالإعجاب.
تشهّى نفسه، دون أن يدري أنه العاشق والمعشوق.
إطراءاته يوجّهها إلى نفسه،
والنّيران التي يحسّها
هي تلك التي يُشعلها هو.
كم مرَّةٍ أعطى قبلاً لا طائلَ وراءها
إلى هذا النّبع الماكر.
كم مرَّةٍ، أغرقَ ذراعيه لكي يُمسك بعنقه
الذي كان يراه وسطَ المياه،
دون أن يقدر على الوصول إليه!
ماذا كان يرى ?
يجهل تماماً.
لكنّ ما يراه يُضْنيه،
والخداع نفسه الذي يُوهمُ عينيه، يوقظهما.
أيُّها الطفل السّاذج،
لماذا تصرُّ عبثاً
على أن تُمسكَ بصورةٍ هاربةٍ ?
ما تبحث عنه لا وجود له،
والشيء الذي تحبّه يتلاشى منذ أن تلتفت إليه.
12 أبولّون وباخوس، في الأسطورة، شابّان أبديّان، لا يتخطّيان حدود المراهقة، وليس لهما كغيرهما لحية وشعر، فقد أعفيا من هاتين الخاصّتين الذكوريّتين الثانويّتين.
ليس الشّبح الذي تراه،
إلاّ انعكاساً لصورتك؛
لا قوام له بنفسه،
يأتي ويظلّ معك،
ومعك سيبتعد، إن قدرتَ أن تبتعد.
غير أنّ دموعَه كدَّرت الماءَ،
ولم تعد صورته واضحة في الماء المُضطرب.
عندما رآها تمَّحي، صرخ:
"أين تهربين ?
إبقَي،
لا تهجري، أيَّتها القاسية، من يعبُدُكِ.
ليُسمحَ لي أن أنظرَ بعينيَّ
إلى ما لا أقدرُ أن ألمسه بيديّ،
وأن أغذّي بهِ جنوني البائس."
كان هذا الشابّ التّاعس، كلّما صرخ: "وا أسفاه!"،
يُجيبه صوت إلهة الغابة مرجِّعاً: "وا أسفاه!".
وعندما كان يضرب ذراعيه بيديه،
كانت ترجِّع صوت الضّربات.
"وا أسفاه،
أيّها الطّفلُ الذي أحببته عبثاً!":
هذه كانت آخر الكلمات التي تفوّه بها،
ناظراً كعادته، إلى الماء.
وكانت الأمكنة حوله ترجِّعُ الألفاظ ذاتها،
واحداً واحداً.
قال: "وداعاً!".
فردّت إيكو: "وداعاً!".
ترك رأسه المُرهقَ يسقط على العشبِ الأخضر،
أغلق الموت عينيه اللتين كانتا
تعجبان دائماً بجمال سيّدهما.
غابَ الجسمُ،
وفي مكانه نبتت زهرة بلون الزّعفرانِ
تحيط بقلبها أوراقٌ بيضاء. 14
14 تحمل هذه الزّهرة اسم نرسيس.