بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، كانت إيكو حورية جبلية تنتمي لجبل كيثايرون، وكانت تلهي هيرا عن مراقبة زوجها بالحديث المتواصل معها، ليتمكن زيوس من ملاحقة النساء والحوريات بحرية تامة.عند اكتشاف هيرا لهذا الأمر، عاقبت إيكو بحيث تكرر الكلمات التي يقولها الآخرون دون أن تتمكن من الحديث بنفسها.
لأصحاب الذائقة الرفيعة والمهتمين بذلك النوع من الآداب والفنون ولمن لديهم الشغف شاهدوا الفيديو وانتقلوا عبر الرابط التالي إلى التمتع بقراءة قصيدة أوفيد والتي تحكي هذه الأسطورة بأسلوب يحاكي السينما الحديثة
ولا أن تبادر هي بالكلام.
ولم تكن تحوّلت الى مجرَّد صوت.
إيكّو (2)
من كتاب التحوّلات
لأوفيد
كان ابنُ كيفيزوس قد أضافَ سنةً،
إلى سنواته الخمس عشرة،
يجمع بين الطفولة والرجولة
يثير الشهوة في عدد كبير من الفتيان والفتيات.
غير أن جماله الشّهيّ كان يخبىء صلفاً جامحاً،
بحيث لم يقدر أن يُلامسه
لا الفتيان ولا الفتيات.
إيكو (Echo)
فيما كان نرسيس يقود إلى شباكه أيائل رَخْصَةَ العود،
جذب انتباه إلهة الغاب إيكو (Echo) التي ترجّع الصوت،
والتي لا تعرف أن تسكتَ عندما يُوجّه إليها الكلام،
ولا أن تبادر هي بالكلام.
في ذلك الوقت،
كان لإيكو جسمٌ،
ولم تكن تحوّلت الى مجرَّد صوت.
مع ذلك فإنّ فمها الثرثار
لم يكن يفيدها إلاّ في أن يُرجّعَ
الكلمات الأخيرة لكلّ ما تسمعه.
هكذا شاءت لها جونون.
عندما كانت الإلهة تفاجئ إلآهات الغاب
الّلائي كنَّ يستسلمنَ غالباً في الجبال
لمداعبات زوجها جوبيتر،
كانت إيكو تجهد لاستبقائها، بأحاديث طويلة،
لكي توفّر لإلهات الغاب فرصة الهرب.
تنبّهت إلى ذلك ابنة ساتورن، فقالت:
"هذا اللّسان الذي خدعني،
لن تكون لك عليه، بعد الآن،
إلاّ سلطةٌ ضعيفة.
ولن تستخدمي الكلامَ بعد الآن
إلاّ استخداماً قصيراً جداً."
ووضعت تهديدها هذا موضعَ التّنفيذ.
غير أن إيكو بقيت تكرّر الرّنات الأخيرة،
التي يبثّها الصّوت،
وتعيد الكلمات التي سمعتها.
هكذا عندما كانت تلمح نرسيس شارداً
في الحقول المنعزلة،
كانت تقتفي، خفيةً، آثاره
والشّهوة تتأكّلها.
وبقدر ما كانت تتبعه،
كانت تقترب من النار التي تحرقها.
وتلك سُرعةٌ ـ لا تفوقها سرعة الكبريت الحيّ
الذي تُدهنُ به أطراف المشاعل،
حين يشتعل في احتكاكه باللّهب.
أوه! كم مرَّةً أرادتْ أن تدنو منه
لتخاطبه بكلماتٍ مُلاطفة،
ولتوجّه إليه التماساتٍ وديعةٍ.
وكانت طبيعتها تأبى ذلك، ولا تسمح لها بالمبادرة.
غير أنها، وهذا مُتاحٌ لها،
كانت جاهزةً لترصُّدِ الأصوات
وترجيع كلماتها الخاصّة.
مصادفةً،
حدثَ أنّ الشّابّ انفصلَ عن جمعِ رفقائه الأوفياء،
فصرخ:
"أقُربي أحدٌ ?"
ـ "نعم، أحدٌ."
أجابت إيكو.
أخذ، مذهولاً، يطوف بنظره
في الاتجاهات كلّها، صارخاً بصوته كلّه:
ـ"تعالي."
فردّت على هذا النّداء بنداءٍ مماثلٍ.
التفتَ، وإذ لم يرَ أحداً يجيء، قال:
"لماذا تهربين منّي ?"
هكذا كان يستقبل الكلامَ الذي يُرسله.
ألحَّ، وإذ رأى نفسه مخدوعاً
بالصّوت الذي يتناوب مع صوته، قال:
"لنجتمع هنا!"
لم تكن هناك غبطةٌ أعظم تردّ بها إيكو على عبارةٍ كمثل هذه، فكرّرتْ:
"لنتَّحدْ!"
وإذ فُتنتْ هي نفسها بما قالته،
خرجتْ من الغابة،
وأرادتْ أن تطوّق بذراعيها
العنقَ الذي طالما تشهَّتهُ.
هربَ نرسيس، وقال هارباً:
"اسحبي هاتين الذراعين
لا عناق!
أفضّل أن أموتَ
على أن أستسلم لكِ."
ولم تُرجِّع إيكو إلاّ عبارة:
"أستسلم لك."
أحسّت إيكو أنّها احتُقرَتْ،
فذهبت تختبئ في الغابات،
مُغطِّيةً بالأوراقِ وجهها المُثقل خجلاً وعاراً.
ومن ذلك الوقت،
تعيش في مغاورَ منعزلة.
(وللحكاية بقيّة)