منزلة الشَّوْلة
ندعوكم للتعرف معنا على منزلة «#الشَّوْلة» من مشروعنا الجديد #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي#محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعا ًالثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 3655 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب.
ـــــــــــــــــــــــــ
نحن في منزلة "الشَّوْلة"، وهي المنزلة الثَّالثة والأخيرة من نوء "مَرْبعانيَّة الشِّتاء"، وثالث منازل الشِّتاء، وخامس المنازل اليمانيَّة، طالعها من ثاني أيام كانون الثَّاني (يناير)، ومدَّتها ثلاثة عشر يومًا.
وسُمِّيت "الشَّوْلة" تشبيهًا بشوكة العقرب. ومعنى شال لغةً، أي ارتفع، ويقال "ناقة شائلة" إذا ارتفع لبنها وقل، ومنه جاءت تسمية شهر شوَّال، لأنَّ النِّياق كانت تَشول فيه بأذنابها، وجمعها شُؤل.
و"الشَّوْلة" هي إبرة العقرب عند أهل الشَّام، وفيها نجمان خفيَّان ملتصقان يظهران كأنَّهما نجمٌ واحد مشقوق يسمَّيان "الإبرة" و"الحُمَّة"، وخلفهما نجم صغير لا يبرحهما يقال له "التَّابع".
وفي العلوم الفلكية الحديثة تبيَّن أنَّ "الشَّوْلة" نجم أبيض ضارب للزُّرْقة في كوكبة "العقرب"، قدره الظَّاهري 1.62، وقدره المطلق 3.3-، أي يفوق تألُّقه الشَّمس بـ 1700 ضعفًا، وقطره 6.5 أضعاف قطرها، وزمرته الطَّيفيَّة B2 lV، ويبعد 700 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
ومن التَّغيرات المناخية والطبيعيَّة الملازمة لظهور "الشَّوْلة" استمرار البرودة، فيكثر الضَّباب والصَّقيع ويهيض البلغم.
وتسقط البقيَّة الباقية من أوراق الشَّجر، ويبدأ ظهور طلع ذكور النَّخل، وتهاجر طيور قطا العراق (المعاعي) أو (النغَّاق)، وتقلَّم أشجار الخوخ، والمشمش. وتقطع قاعدة عسيب النخيل (الكرب)، ويقطع الشَّوك الجديد من جريد النَّخل (العسبان)، وتعدُّ الأرض لزراعة أشجار الفاكهة، وزراعة المبكِّر منها، كالخوخ، والمشمش. وتستمرُّ تغطية الشُّجيرات والخضروات لحمايتها من الصَّقيع الذي قد يهلكها. وتقلَّم الأشجار، وينثر السَّماد البلدي. ويكره في "الشَّوْلة" أكل الأترج، وهو من الحمضيات ويُسمَّى عند العامة بـ (البوملي) أو (الكبَّاد) أو(الترني). ويُزرع القمح، والشَّعير والمشمش، والخوخ، والحبَّة السَّوداء، والحلبة، والبطيخ، والباذنجان وشتلات العنب.
وفي "#الإمارات" يزهر طيف من النباتات منها: "الصبَّار" الذي يفترش الوديان، و"الآرا"، و"الكحل" الذي يزيِّن العيون النجل، و"الرَّمرام" بلسم سمِّ الأفعى، و"الخناصر" الذي يعشق "حفيت" (جبل)، و"حوَّا الغزال"، و"الطرثوث"، و"الغاف" الكريم بالظلِّ، و"ورد اليبل" (الجبل)، و"الفريفرو"، و"الحنزاب"، و"الشليلة"، و"الزَّانون" الذي يحمل جوازًا آخر باسم "الثَّانون"، وغيرها من النباتات.
ويعتقد العرب أنَّ النُّكاح في الشَّوْلة نحسٌ وغير محمود.
قال ساجع العرب: "إذا طلعت الشَّوْله، أعجلت الشيخ البوله، واشتدَّت على العائل العوله".
("العولة" هي الحاجة. و"العائل"، المحتاج الفقير لشدَّة البرد في ذلك الوقت).
وجمع ساجع آخر أنواء أعضاء العقرب كلها، فنسبها إلى العقرب وحدها، فقال: "إذا طلعت العقرب، جمَس المِذنَب، وقرُب الأشيب، ومات الجُنْدُب، ولم يصرّ الأخطب".
("جمس المِذْنَب"، أي جمد الماء في المِذْنَب (الأودية). و"الجُنْدُب" هو الجرادة).
وذكر أبو الطيِّب المتنبي "الشَّوْلة" بما يوافق المعنى الذي نريده:
وما تُنْكِرُ الدَّهماءُ من رسمِ مَنْزِلٍ سَقَتْها ضَرِيبَ الشَّولِ فيها الوَلَائِدُ
و"الدَّهماء" هي الفرس السوداء. و"الضَّريب" هو اللبن الخاثر. و"الشول" جمع شائل، وهي الناقة التي قلَّ لبنها، وذلك أحمد اللبن وألطفه. والهاء في "فيها" للمنزل. و"الوليدة" هي الأَمَةُ والخادمة. ويعني: كيف تُنْكِرُ فَرَسي إثر الموضع التي كانت الولائد تسقيها اللبن فيه من الشول حتى اعتادت ذلك؟ أي كان من الواجب عليها أن تعرف ذلك، وتحزن لفراق هذا المنزل.
وقال أيضًا:
رمَى الدَّرْبَ بالجُرْدِ الْغِنَاقِ إلى العِدا وما علموا أنَّ السِّهامَ خيولُ
شَوائِلَ تَشوالَ العَقارِبِ بِالقَنا لَها مَرَحٌ مِن تَحتِهِ وَصَهيلُ
والشوائل: جمع شائلة، والتشوال: مصدر شول. والمرح: النشاط. يقول: رمى الدَّرب بالخيلِ رافعةً رِماحَها، كما رفعت العقاربُ أذنابها، وكان لهذه الخيل مرح تحت القنا وصهيل، يعني بأن الركض لم يذهب مرحها.
ولأبي عبد الله الشاطبي الكاتب، وقد لسبت (لسعت) بعض سادات المغرب عقيرب، فقال من عيون شعره:
هَجَر الشَّولَةَ قلبُ العقربِ وجَفاها بالمَكانِ الأقربِ
ثم قالَت أنُجمُ الأفْق لها أنتِ منَّا كالبَعِيرِ الأجربِ
لك أختٌ في الثَّرى قد لَسَبَت سيّدًا من خَير أهل المغربِ
فأجابتَهْا وقالت إنّما غِرت من أخْمَصه إذ مرَّ بي
وقال إخوان الصَّفا عند نزول القمر بـ "الشَّولة": "فاعمل فيه نيرنجات عقد الشهوة والسموم القاتلة، واعمل الطلسمات، ولا تدبِّر فيه الصَّنعة، وادعُ فيه الدعوة، ولا تعالجْ من الروحانية، ولا تسافرْ، وازرع ولا تكتلْ غلَّتك، فمن اكتالها انتهبها الأعداء واللصوص، ولا تدخل فيه على الملوك ولا تسعَ في حوائجهم، وادخلْ على الإخوان والأشراف، ولا تتزوَّج، ولا تشترِ الرَّقيق، ولا تلبس ثوبًا جديدًا، فمن لبسه أصابته الحمَّى المنهكة، ولا تستفتحْ شيئًا من الأعمال. ومن ولد فيه، ذكرًا كان أو أنثى، كان مشؤومًا على والديه وأهله، مبغوضًا إليهم، مذمومًا في الناس متهتكًا سيئ السِّيرة".
وتحكي الأساطير اليونانية إن "فيتون" Phaethon، الابن البشري للإله "هيليوس" Helios، اندفع يطالب أباه إله الشَّمس أن يتخلَّى له عن عربته يومًا يقودها سائسا خيولها المجنحة الأقدام. هزَّ إله الشَّمس رأسه قائلًا: "إنَّ هذا الذي تطلبه مني هو ما آباه عليك وأحُول دونك ودونه، فأنت مُقْدمٌ على التورُّط بأمرٍ خطير تَقْصُرُ عنه قوتك ويعجز عنه شبابُك الغضُّ. وهل أنت غير بشر، وإنَّ جهلَك بالأمور هو الذي يجعلك تطمع فيما لا يناله الآلهة أنفسهم.
وما الذي تستطيعه أنت لو أسلمتك العربة؟ أتراك قادرًا على الصمود أمام دورة القطبين العنيفة دون أن تقذف بك بعيدًا قُبَّةُ السماء الدوَّارة؟ إن عليك أن تشقَّ طريقك وسط شراك خطرة ووحوش ضارية. إنني أحذِّرك خشية أن يكون في استجابتي لمطلبك ما يَجُرُّك إلى الهلاك.
وضرب الابن بتحذيرات أبيه عُرض الحائط، فقد كان توَّاقًا إلى قيادة عربة إله الشَّمس. وحيث أدرك الأبُ ذهابَ محاولاته عبثًا في أن يَثْني ابنه عن عزمه، رافقه إلى عربته الضَّخمة التي صنعها له فولكانوس Volcanus إله النار والحدادة.
وحين أخذ فايثون الطَّموح يتحسَّس أجزاء العربة بتلهُّف كانت "أورورا" Aurora ربَّة الفجر قد بدأت تفتح في أقصى الشرق أبواب قاعاتها المُترعة بالورود.
ولقد اندفع فايثون في حماسة الشباب ممتطيًا العربة، وتناول الأعنَّة من يد أبيه فرحًا، واتَّخذ مكانه واقفًا ولسانه يلهج بشكر والده المحزون.
أخذت خيول إله الشَّمس الأربعة تزخم الفضاء بصهيلها وأنفاسها المشتعلة، وتضرب الحواجز بحوافرها، فتفتَّحت أبواب السَّماء أمام الجياد التي اندفعت صاعدة في الفضاء بحوافرها المجنَّحة متخطِّية رياح الشَّرق العاصفة. وأحسَّت الجياد بالعربة أكثر خفَّة مما كانت حيث كان يمتطيها إله الشَّمس، وبدت كالسَّفينة يتلاعب بها الموج، فمضت تتأرجح وتعلو وكأنها خالية، وما إنْ أحسَّت الجياد بذلك حتى انحرفت عن طريقها وتخلَّت عن اتجاهها المألوف. واستولى القلق على فايثون الذي كانت تعوزه المهارة في القبض على أعنَّة الخيل فانفلت زمامها من يديه ولم يعد يعرف إلى أين ستمضي به خيول العربة.
ووقع بصر فايثون التَّعس على الأرض من على بعد سحيق، فعلا وجهه الشحوب وارتجفت أطرافه رعبًا، وغشَّى الوهج عينيه، وتمنَّى لحظتها لو لم تمسس يداه قط أعنَّة جياد أبيه، وغمره النَّدم على استجابة أبيه لرغبته، وقد أخذت العربة تهتزُّ كسفينة جرفتها رياح الشمال العتيَّة، فأسلَم ربَّانها رعايتها للآلهة يضرع إليها بالدعاء. ماذا تُرى فايثون فاعلًا؟ لقد قطع مسافة شاسعة وكانت ثمة مسافة أبعد عليه أن يجتازها، فاتَّجَه بنظره إلى الغرب الذي لن يبلغه ثم إلى الشَّرق وراءه، وهو بينهما حائر عاجز عن إرخاء العنان وجذبه والسَّيطرة على الجياد التي كان يجهل حتى أسماءها.
وجد فايثون نفسه وسط عالم يحترق مشتعل ملتهب فغشيته حرارة شديدة عجز عن احتمالها، يحاصره وهج عربته ويلسعه شَرَرُها المتطاير، ويلفُّه الدُّخان السَّاخن وتُعميه الظُّلمة الحالكة فلا يدري أين هو ولا إلى أين يسير، تجمح خيوله العَجْلَى على هواها حيث تقودها أقدامها المجنَّحة.
استدعى ربُّ الأرباب الآلهة إليه ومن بينهم إله الشَّمس الذي أسْلَمَ عربته إلى ولده فايثون، وصعَّد عاليًا في السَّماء إلى ذلك المكان الذي اعتاد أن يُطلق منه الغيوم والرُّعود والصَّواعق الخاطفة، غير أنه لم يرسل سحبًا ولا أمطارًا وإنما أطلق رعدًا مدوِّيًا، ورفع بيده الصاعقة قريبًا من أذنه اليمنى ثم صوَّبها إلى سائق عربة الشَّمس، منتزعًا منه في آنٍ، الحياة والعربة، فاحترقت العربة وتناثرت أجزاؤها وانطلقت خيولها مولِّيةً الأدبار على غير هدى.
وهوى فايثون في الفضاء والنار مشتعلة في خصلات شعره تتلوَّى من ورائه وهو يحترق، حتى هبط في بقعة قصيَّة من الأرض، وتلقَّاه نهر «إيريدانوس Eridanus» العظيم فبلَّل وجهه المحترق، وقامت الحوريات الإيطاليات بدفن رفاته التي التهمتها النيران، ثم نقشن على شاهد ضريحه:
«هنا يرقد فايثون قائد عربة أبيه.
إذا كان لم ينجح في التحكم بها،
فقد سقط على الأقل
ضحية لجرأة نبيلة».
ندعوكم للتعرف معنا على منزلة «#الشَّوْلة» من مشروعنا الجديد #منازل_القمر للشاعر والمفكر الإماراتي#محمد_أحمد_السويدي ، ونعرض هنا تباعا ًالثماني وعشرون منزلة التي ينزلها القمر كل عام، قوامها ثلاثة عشر يوماً لكل منزلة، عدا جبهة الأسد أربعة عشر يوماً، ما يجعل السنة 3655 يوماً تمثل التقويم الشمسي للعرب.
ـــــــــــــــــــــــــ
نحن في منزلة "الشَّوْلة"، وهي المنزلة الثَّالثة والأخيرة من نوء "مَرْبعانيَّة الشِّتاء"، وثالث منازل الشِّتاء، وخامس المنازل اليمانيَّة، طالعها من ثاني أيام كانون الثَّاني (يناير)، ومدَّتها ثلاثة عشر يومًا.
وسُمِّيت "الشَّوْلة" تشبيهًا بشوكة العقرب. ومعنى شال لغةً، أي ارتفع، ويقال "ناقة شائلة" إذا ارتفع لبنها وقل، ومنه جاءت تسمية شهر شوَّال، لأنَّ النِّياق كانت تَشول فيه بأذنابها، وجمعها شُؤل.
و"الشَّوْلة" هي إبرة العقرب عند أهل الشَّام، وفيها نجمان خفيَّان ملتصقان يظهران كأنَّهما نجمٌ واحد مشقوق يسمَّيان "الإبرة" و"الحُمَّة"، وخلفهما نجم صغير لا يبرحهما يقال له "التَّابع".
وفي العلوم الفلكية الحديثة تبيَّن أنَّ "الشَّوْلة" نجم أبيض ضارب للزُّرْقة في كوكبة "العقرب"، قدره الظَّاهري 1.62، وقدره المطلق 3.3-، أي يفوق تألُّقه الشَّمس بـ 1700 ضعفًا، وقطره 6.5 أضعاف قطرها، وزمرته الطَّيفيَّة B2 lV، ويبعد 700 سنة ضوئيَّة عن الأرض.
ومن التَّغيرات المناخية والطبيعيَّة الملازمة لظهور "الشَّوْلة" استمرار البرودة، فيكثر الضَّباب والصَّقيع ويهيض البلغم.
وتسقط البقيَّة الباقية من أوراق الشَّجر، ويبدأ ظهور طلع ذكور النَّخل، وتهاجر طيور قطا العراق (المعاعي) أو (النغَّاق)، وتقلَّم أشجار الخوخ، والمشمش. وتقطع قاعدة عسيب النخيل (الكرب)، ويقطع الشَّوك الجديد من جريد النَّخل (العسبان)، وتعدُّ الأرض لزراعة أشجار الفاكهة، وزراعة المبكِّر منها، كالخوخ، والمشمش. وتستمرُّ تغطية الشُّجيرات والخضروات لحمايتها من الصَّقيع الذي قد يهلكها. وتقلَّم الأشجار، وينثر السَّماد البلدي. ويكره في "الشَّوْلة" أكل الأترج، وهو من الحمضيات ويُسمَّى عند العامة بـ (البوملي) أو (الكبَّاد) أو(الترني). ويُزرع القمح، والشَّعير والمشمش، والخوخ، والحبَّة السَّوداء، والحلبة، والبطيخ، والباذنجان وشتلات العنب.
وفي "#الإمارات" يزهر طيف من النباتات منها: "الصبَّار" الذي يفترش الوديان، و"الآرا"، و"الكحل" الذي يزيِّن العيون النجل، و"الرَّمرام" بلسم سمِّ الأفعى، و"الخناصر" الذي يعشق "حفيت" (جبل)، و"حوَّا الغزال"، و"الطرثوث"، و"الغاف" الكريم بالظلِّ، و"ورد اليبل" (الجبل)، و"الفريفرو"، و"الحنزاب"، و"الشليلة"، و"الزَّانون" الذي يحمل جوازًا آخر باسم "الثَّانون"، وغيرها من النباتات.
ويعتقد العرب أنَّ النُّكاح في الشَّوْلة نحسٌ وغير محمود.
قال ساجع العرب: "إذا طلعت الشَّوْله، أعجلت الشيخ البوله، واشتدَّت على العائل العوله".
("العولة" هي الحاجة. و"العائل"، المحتاج الفقير لشدَّة البرد في ذلك الوقت).
وجمع ساجع آخر أنواء أعضاء العقرب كلها، فنسبها إلى العقرب وحدها، فقال: "إذا طلعت العقرب، جمَس المِذنَب، وقرُب الأشيب، ومات الجُنْدُب، ولم يصرّ الأخطب".
("جمس المِذْنَب"، أي جمد الماء في المِذْنَب (الأودية). و"الجُنْدُب" هو الجرادة).
وذكر أبو الطيِّب المتنبي "الشَّوْلة" بما يوافق المعنى الذي نريده:
وما تُنْكِرُ الدَّهماءُ من رسمِ مَنْزِلٍ سَقَتْها ضَرِيبَ الشَّولِ فيها الوَلَائِدُ
و"الدَّهماء" هي الفرس السوداء. و"الضَّريب" هو اللبن الخاثر. و"الشول" جمع شائل، وهي الناقة التي قلَّ لبنها، وذلك أحمد اللبن وألطفه. والهاء في "فيها" للمنزل. و"الوليدة" هي الأَمَةُ والخادمة. ويعني: كيف تُنْكِرُ فَرَسي إثر الموضع التي كانت الولائد تسقيها اللبن فيه من الشول حتى اعتادت ذلك؟ أي كان من الواجب عليها أن تعرف ذلك، وتحزن لفراق هذا المنزل.
وقال أيضًا:
رمَى الدَّرْبَ بالجُرْدِ الْغِنَاقِ إلى العِدا وما علموا أنَّ السِّهامَ خيولُ
شَوائِلَ تَشوالَ العَقارِبِ بِالقَنا لَها مَرَحٌ مِن تَحتِهِ وَصَهيلُ
والشوائل: جمع شائلة، والتشوال: مصدر شول. والمرح: النشاط. يقول: رمى الدَّرب بالخيلِ رافعةً رِماحَها، كما رفعت العقاربُ أذنابها، وكان لهذه الخيل مرح تحت القنا وصهيل، يعني بأن الركض لم يذهب مرحها.
ولأبي عبد الله الشاطبي الكاتب، وقد لسبت (لسعت) بعض سادات المغرب عقيرب، فقال من عيون شعره:
هَجَر الشَّولَةَ قلبُ العقربِ وجَفاها بالمَكانِ الأقربِ
ثم قالَت أنُجمُ الأفْق لها أنتِ منَّا كالبَعِيرِ الأجربِ
لك أختٌ في الثَّرى قد لَسَبَت سيّدًا من خَير أهل المغربِ
فأجابتَهْا وقالت إنّما غِرت من أخْمَصه إذ مرَّ بي
وقال إخوان الصَّفا عند نزول القمر بـ "الشَّولة": "فاعمل فيه نيرنجات عقد الشهوة والسموم القاتلة، واعمل الطلسمات، ولا تدبِّر فيه الصَّنعة، وادعُ فيه الدعوة، ولا تعالجْ من الروحانية، ولا تسافرْ، وازرع ولا تكتلْ غلَّتك، فمن اكتالها انتهبها الأعداء واللصوص، ولا تدخل فيه على الملوك ولا تسعَ في حوائجهم، وادخلْ على الإخوان والأشراف، ولا تتزوَّج، ولا تشترِ الرَّقيق، ولا تلبس ثوبًا جديدًا، فمن لبسه أصابته الحمَّى المنهكة، ولا تستفتحْ شيئًا من الأعمال. ومن ولد فيه، ذكرًا كان أو أنثى، كان مشؤومًا على والديه وأهله، مبغوضًا إليهم، مذمومًا في الناس متهتكًا سيئ السِّيرة".
وتحكي الأساطير اليونانية إن "فيتون" Phaethon، الابن البشري للإله "هيليوس" Helios، اندفع يطالب أباه إله الشَّمس أن يتخلَّى له عن عربته يومًا يقودها سائسا خيولها المجنحة الأقدام. هزَّ إله الشَّمس رأسه قائلًا: "إنَّ هذا الذي تطلبه مني هو ما آباه عليك وأحُول دونك ودونه، فأنت مُقْدمٌ على التورُّط بأمرٍ خطير تَقْصُرُ عنه قوتك ويعجز عنه شبابُك الغضُّ. وهل أنت غير بشر، وإنَّ جهلَك بالأمور هو الذي يجعلك تطمع فيما لا يناله الآلهة أنفسهم.
وما الذي تستطيعه أنت لو أسلمتك العربة؟ أتراك قادرًا على الصمود أمام دورة القطبين العنيفة دون أن تقذف بك بعيدًا قُبَّةُ السماء الدوَّارة؟ إن عليك أن تشقَّ طريقك وسط شراك خطرة ووحوش ضارية. إنني أحذِّرك خشية أن يكون في استجابتي لمطلبك ما يَجُرُّك إلى الهلاك.
وضرب الابن بتحذيرات أبيه عُرض الحائط، فقد كان توَّاقًا إلى قيادة عربة إله الشَّمس. وحيث أدرك الأبُ ذهابَ محاولاته عبثًا في أن يَثْني ابنه عن عزمه، رافقه إلى عربته الضَّخمة التي صنعها له فولكانوس Volcanus إله النار والحدادة.
وحين أخذ فايثون الطَّموح يتحسَّس أجزاء العربة بتلهُّف كانت "أورورا" Aurora ربَّة الفجر قد بدأت تفتح في أقصى الشرق أبواب قاعاتها المُترعة بالورود.
ولقد اندفع فايثون في حماسة الشباب ممتطيًا العربة، وتناول الأعنَّة من يد أبيه فرحًا، واتَّخذ مكانه واقفًا ولسانه يلهج بشكر والده المحزون.
أخذت خيول إله الشَّمس الأربعة تزخم الفضاء بصهيلها وأنفاسها المشتعلة، وتضرب الحواجز بحوافرها، فتفتَّحت أبواب السَّماء أمام الجياد التي اندفعت صاعدة في الفضاء بحوافرها المجنَّحة متخطِّية رياح الشَّرق العاصفة. وأحسَّت الجياد بالعربة أكثر خفَّة مما كانت حيث كان يمتطيها إله الشَّمس، وبدت كالسَّفينة يتلاعب بها الموج، فمضت تتأرجح وتعلو وكأنها خالية، وما إنْ أحسَّت الجياد بذلك حتى انحرفت عن طريقها وتخلَّت عن اتجاهها المألوف. واستولى القلق على فايثون الذي كانت تعوزه المهارة في القبض على أعنَّة الخيل فانفلت زمامها من يديه ولم يعد يعرف إلى أين ستمضي به خيول العربة.
ووقع بصر فايثون التَّعس على الأرض من على بعد سحيق، فعلا وجهه الشحوب وارتجفت أطرافه رعبًا، وغشَّى الوهج عينيه، وتمنَّى لحظتها لو لم تمسس يداه قط أعنَّة جياد أبيه، وغمره النَّدم على استجابة أبيه لرغبته، وقد أخذت العربة تهتزُّ كسفينة جرفتها رياح الشمال العتيَّة، فأسلَم ربَّانها رعايتها للآلهة يضرع إليها بالدعاء. ماذا تُرى فايثون فاعلًا؟ لقد قطع مسافة شاسعة وكانت ثمة مسافة أبعد عليه أن يجتازها، فاتَّجَه بنظره إلى الغرب الذي لن يبلغه ثم إلى الشَّرق وراءه، وهو بينهما حائر عاجز عن إرخاء العنان وجذبه والسَّيطرة على الجياد التي كان يجهل حتى أسماءها.
وجد فايثون نفسه وسط عالم يحترق مشتعل ملتهب فغشيته حرارة شديدة عجز عن احتمالها، يحاصره وهج عربته ويلسعه شَرَرُها المتطاير، ويلفُّه الدُّخان السَّاخن وتُعميه الظُّلمة الحالكة فلا يدري أين هو ولا إلى أين يسير، تجمح خيوله العَجْلَى على هواها حيث تقودها أقدامها المجنَّحة.
استدعى ربُّ الأرباب الآلهة إليه ومن بينهم إله الشَّمس الذي أسْلَمَ عربته إلى ولده فايثون، وصعَّد عاليًا في السَّماء إلى ذلك المكان الذي اعتاد أن يُطلق منه الغيوم والرُّعود والصَّواعق الخاطفة، غير أنه لم يرسل سحبًا ولا أمطارًا وإنما أطلق رعدًا مدوِّيًا، ورفع بيده الصاعقة قريبًا من أذنه اليمنى ثم صوَّبها إلى سائق عربة الشَّمس، منتزعًا منه في آنٍ، الحياة والعربة، فاحترقت العربة وتناثرت أجزاؤها وانطلقت خيولها مولِّيةً الأدبار على غير هدى.
وهوى فايثون في الفضاء والنار مشتعلة في خصلات شعره تتلوَّى من ورائه وهو يحترق، حتى هبط في بقعة قصيَّة من الأرض، وتلقَّاه نهر «إيريدانوس Eridanus» العظيم فبلَّل وجهه المحترق، وقامت الحوريات الإيطاليات بدفن رفاته التي التهمتها النيران، ثم نقشن على شاهد ضريحه:
«هنا يرقد فايثون قائد عربة أبيه.
إذا كان لم ينجح في التحكم بها،
فقد سقط على الأقل
ضحية لجرأة نبيلة».
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi, manacle al khmer,
Related Articles